تونس الصباح: خلص بحث تقييمي أنجزه المعهد الوطني للاحصاء حول المراصد الوطنية وأنشطتها الاحصائية، وشمل 21 مرصدا، إلى أن معظم المراصد لم تؤد المهام الفعلية المنوطة بعهدتها، بسبب افتقارها لامكانيات مادية وبشرية كافية خاصة في المجال الاحصائي. ومكنت الدراسة التي لم يسبق نشرها سابقا تحصلت "الصباح" على نسخة منها من الوقوف على مهام المراصد سواء من خلال الاوامر الترتيبية أو من خلال التطبيق الميداني. وبالمقارنة بين الجانبين الترتيبي والواقعي تم استنتاج اسباب عدم أداء المراصد لمهامها الفعلية. وخلصت الدراسة التي شملت 21 مرصدا تنتمي إلى 13 وزارة، أنه ورغم أن المراصد تتميز بأدوار متجانسة من حيث الهيكلة والمهام، فإنها تمر بوضعيات مختلفة، فبعضها بلغ شوطا متقدما في عمله، لكن البعض الاخر مازال في مستوى الانطلاق. وتهم نشاطات المراصد ميادين مختلفة، منها الاقتصادي، الاجتماعي، القانوني، التقني، والبيئي، وغيرها. لكن بعض المراصد لها صبغة تداخلية بمعنى أنها لا يقتصر نشاطها فقط على مجال معين، بل مجموعة من المستويات ذات العلاقة بفئات معينة. على غرار المرصد الوطني للشباب، ومرصد التكوين والدراسات والتوثيق حول المرأة. على اعتبار أنهما يغطيان كل ما يهم تباعا الشباب، والمرأة في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية..وهو ما يفسر أن درجة التطور والتنمية لهذين المرصدين ووسائل عملهما في علاقة مع المهام التي بعثت من أجلها. نقص الامكانيات المادية والبشرية فإلى جانب الاسباب ذات العلاقة بنقص الامكانيات المادية والبشرية التي تعاني منها بعض المراصد، فقد تبين أن هذه الأخيرة "في حاجة ماسة إلى المعلومات الاحصائية للقيام بمهامها على أحسن وجه. لذلك فهي عادة ما تلجأ أساسا إلى الاحصائيات التي يوفرها المعهد الوطني للاحصاء". وإذا علمنا أن المعلومات الاحصائية الصادرة عن المعهد تكتسي صبغة شمولية، فإنها لا تلبي احتياجات المراصد الخصوصية التي تطلب معلومات أكثر دقة ووضوحا، لكن المعهد -حسب ما أوضحه في الدارسة- يصعب عليه في هذه الحالة توفير احتياجات كل المراصد. وبالتالي فإنه يتوجب على هذه الاخيرة "انتداب إطارات مختصة في المجال، والتعويل على نفسها في جمع المعلومات وتحليلها حسب الدور الموكول لها". لكن المعهد حسب ما جاء في الدراسة أكد على أنه على استعداد لتأطير المراصد ومرافقتها لاتمام مهامها وذلك وفق إطار تعاوني وتنسيقي يتم الاتفاق عليه مسبقا. كما خلص البحث إلى أن عدم توفر المعلومة الاحصائية على مستويات دقيقة مفصلة، يعود لجزء كبير إلى أن كون المراصد لا تؤدي كليا مهامها المنوطة بعهدتها، وهو ما يفسر، ندرة نسبية أو حتى غياب في بعض الحالات- في مستوى قاعدة المعطيات- لمؤشرات أو جداول بيانية، او دراسات استشرافية، أو دراسات مقارنة دولية. وهذه النقائص تمنع المراصد من امتلاك إطار احصائي حقيقي يسمح لها بالقيام بدورها الكامل في مستوى المتابعة، والمساعدة على اتخاذ القرار والتحضير للخيارات الاستراتيجية في القطاع الذي تنشط فيه. وتكتسي نشاط 12 مرصدا من جملة 21 مرصدا صبغة اقتصادية، تهم إما قطاع معين من الانشطة الاقتصادية (فلاحة، طاقة، تجارة، سياحة) أو صبغة سياسية اقتصادية (تشغيل، ظرف اقتصادي، منافسة، مشاريع كبرى، السوق العمومية). كما تتميز أربع مراصد بطابعها الاجتماعي وتتجه أساسا إلى شريحة معينة من المجتمع على غرار المرأة، الطفولة، الشباب. او تهتم بميدان معين على غرار الرياضة. وتوجد ثلاثة مراصد ذات صيغة تقنية، تختص في مجالات التكنولوجيا، المحيط، والعقار، والسكن. ويتميز مرصدان بطابعهما الاداري ويهمان كافة شرائح المجتمع ينشطان في مجالي الاتصال، والسلامة المرورية. وتضم بعض الوزارات أكثر من مرصد واحد، في حين أن المراصد تغيب عن وزارات أخرى. كما لوحظ ان بعض الوزارات تضم من أجل نفس النشاط، مرصدا، إلى جانب إدارة عامة، أو إدارة ذات أهداف مماثلة لمهام المرصد، مع تمتعها بامتيازات هامة في المجال الاحصائي. كما لوحظ ان تعدد المراصد صلب وزارة واحدة ناتج عن تنوع طبيعة انشطة تلك الوزارات التي تحتاج عموما إلى وسائل متابعة وتحليل للمعلومة الاحصائية. وتبين من خلال الدراسة أن المهام الموكولة إلى معظم المراصد حسب الاطار القانوني المنظم لعملها، تقوم رغم اختلاف مجالات تخصصها، بعدة أنشطة إحصائية ترتكز على جمع وتحليل ومتابعة المعلومات، بناء قاعدة بيانات وأنظمة معلومات، انتاج مؤشرات، وإنجاز تقارير، القيام بقراءات أولية ودراسات مستقبلية ونشر دوري للتقارير مع وضعها على ذمة المتدخلين في القطاع. كما تتولى المراصد مهام أخرى خصوصية على غرار تأمين عمل تأطيري وتكويني، ورسكلة، وتنظيم ندوات وبحوث، فضلا عن القيام بأعمال تقييمية. لكن الاهم هو الهدف الاساسي الذي جعلت من أجله المراصد وهو توفيرها لقنوات مساعدة لاتخاذ القرار والمشاركة في وضع وتصور الخيارات الاستراتيجية للقطاع أو المجال، أو الفئة المستهدفة لانشطتها. يذكر في هذا السياق أن أهم إطار قانوني ينظم عمل المراصد هو القانون المؤرخ في 13 ديسمبر 1999، المتعلق بمراكز الاعلام والتكوين والتوثيق والدراسات. توصيات وأوصت الدراسة بمضاعفة الامكانيات المادية والبشرية للمراصد حتى تتمكن من أداء مهامها، فمعظم المراصد لا تتوفر على الموارد البشرية المختصة والكافية لتأمين عمل ميداني لجمع المعلومات. وقد تلجأ المراصد إلى معالجة المعلومات كما توفرت من مصدرها الاصلي، حتى لو كانت غير كافية، كما تكتفي في معظم الاحيان باكمال المعلومة عبر معطيات أخرى إضافية غالبا ما تكون ناقصة أو غير محينة. ودعت الدراسة لتفادي هذا النقص المراصد إلى إرساء اتفاقيات تبادل معلومات مع الهياكل المنتجة للاحصائيات. والتنسيق مع المعهد الوطني للاحصاء، لتأطير الانشطة الاحصائية، وهو ما يستدعي أيضا القيام بعملية تأهيل في ما يخص انتداب الاطارات، والتكوين، وتدعيم الوسائل المادية. كما أوصت الدارسة بضرورة التعاون بين المراصد من جهة والهياكل الجامعية والبحثية من جهة اخرى، وحتى مع هياكل مختصة في القطاع الخاص، خاصة في ما يتعلق بتحليل المعلومات، والدراسات. ودعت الدراسة إلى دعم المراصد استقلالها التقني في مجال انتاج وتحليل المعلومات الاحصائية، وتنسيق المراصد لجهودها فيما بينها خاصة في ما يتعلق بمحاور ذات اولوية تنموية في عمل الحكومة على غرار التشغيل أو الاستثمار، وذلك عبر تبادل المعلومات، والتنسيق لاثراء المعلومات المتعلقة بتلك المحاور كل حسب اختصاصه أو حسب القطاع الذي يستهدفه. واقترح المعهد الوطني للإحصاء من خلال الدراسة، خطة مساندة عاجلة للمراصد تضم عدة عناصر أبرزها القيام بوضع مخطط لانتداب إطارات عليا ومتوسطة لتلبية حاجات المراصد من الموارد البشرية، تتوزع على إطارات مختصة في الإحصاء، وأخرى مختصة في الاقتصاد أو المعلوماتية، فضلا عن تنظيم "يوم المراصد" سنويا يسمح للمسؤولين عن المراصد والهياكل الاحصائية العمومية، بالالتقاء وتبادل التجارب والمعلومات، وبرمجة أيام تكوينية مستمرة موجهة لفائدة إطارات المراصد، وتحسيس طلبة المعهد العالي للإحصاء وتحليل المعلومات للقيام بتربصات بالمراصد واختيار مواضيع ختم الدروس أو البحث من خلال مواضيع أو مسائل عولجت صلب تلك المراصد وتتضمن الخطة المقترحة أيضا، القيام بالتعريف بالمراصد وأنشطتها وانتاجاتها الاحصائية في البوابة الاكترونية للمعهد الوطني للإحصاء.