مظاهر الاحتفال بالمولد في الماضي تونس الصباح : تمثل الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف إحدى أهم المناسبات الدينية والاقتصادية في تونس. وقد ترسخت عبرها عادات وتقاليد اجتماعية منذ سنوات، لعلها تحمل ميزة تونسية خاصة عبر جملة من الممارسات والطقوس في إحياء هذه المناسبة. فإذا كان البعد الديني يبقى واحدا في الاحتفاء بالمولد داخل كل البلدان العربية والإسلامية، فإن مظاهر الفرحة وما يتبعها من عادات وتقاليد، وأكلات تعد في هذه المناسبة تختلف من بلد إسلامي إلى آخر. كيف تطورت الظاهرة في تونس وما هي خصوصياتها الاجتماعية والاقتصادية؟ ماذا عن حركة السوق وخصوصياته خلالها؟ حركية اجتماعية واقتصادية استعدادا للاحتفاء بالمولد النبوي رغم تواصل موسم التخفيضات الشتوي وما نتج عنه من حركية خلال الأسابيع الأخيرة داخل السوق، فقد اتجهت اهتمامات العائلة التونسية خلال هذه الأيام إلى أسواق المدينة العتيقة، والمساحات التجارية الكبرى للتزود بحاجاتها استعدادا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف. كما تغير اتجاه نشاط ووجه السوق، والمحلات التجارية، لتتركز الاهتمامات والنشاطات على بيع الفواكه الجافة، من فزدق وبندق وغيرها من هذه الفواكه، ولا شك أن في مقدمة هذه العروض تأتي مادة "الزقزقو" التي تعتمد في طهي "عصيدة" المولد. فبماذا يتميز مشهد السوق في هذا المجال، وكيف تبدو حركيته ومظاهر التسوق التي تقوم بها العائلات؟ الكل يركز نشاطه على «الزقوقو» والحلويات من خلال جولة في أسواق المدينة العتيقة، أو في تلك المحلات المختصة في بيع البقول، وكذلك في العديد من شوارع العاصمة المحيطة بالسوق المركزية للخضر والغلال، وأيضا في المساحات التجارية الكبرى تتراءى لك مظاهر الحركية الكبرى الخاصة بعرض مادة الزقوقو وكافة أنواع الفواكه الجافة. وكالعادة انصرف المواطنون للتزود بمادة الزقوقو، ففي هذا الشارع القريب من باب الجزيرة أو باب الخضراء أو باب سويقة أو غيرها من الأماكن الكثيرة، تحلق المارة، وخاصة منهم النسوة حول الباعة المتجولين لهذه المادة، الذين انتصبوا بعرباتهم في قلب وعلى جوانب الشوارع. وكثر اللغط والصياح، وتعالت نداءات الباعة، ومنافساتهم للفوز بالحرفاء. أما إذا دخلت إلى المساحات الكبرى، فإن ما يشد نظرك من أول وهلة هو أكوام من مادة "الزقوقو"، وضعت في بهو خاص، وتحلق حولها المواطنون، والكل انبرى في التزود من يحتاجه من هذه المادة، بشغف وكأنها ستنضب في وقت قريب. بين مادة أولية من الزقوقو وأخرى جاهزة للاستهلاك مادة "الزقوقو" يتم اعتمادها فقط في تونس لإعداد عصيدة المولد، وبذلك فهي ظاهرة اجتماعية خاصة بعاداتنا وتقاليدنا في هذه المناسبة، ولذلك فقد ترسخت لدينا، وشهدت أيضا تطورات في أساليب عرضها وإعدادها كأكلة تونسية خاصة بهذه المناسبة. فخلال السنتين أو الثلاث الأخيرة تطورت أساليب عرض مادة الزقوقو لتقدم للمواطنين نصف جاهزة، أي معلبة ومرحية الحبوب، ولا ينقصها إلا عملية الطهي. كما تفننت بعض المساحات التجارية الكبرى في عرضها، وذلك بتقديمها للزبائن جاهزة للاستهلاك بعد تولي طهيها وتزيينها وعرضها في أوعية خاصة. وتشير عديد العائلات، وخاصة ربات المنازل اللاتي لا وقت لهن لاعداد عصيدة الزقوقو، أو أنهن غير قادرات على ذلك أن ظاهرة بيع عصيدة الزقوقو جاهزة، قد رفعت عنهم كلفة اعدادها، وخلصتهم من البحث عمن يعدها لهم. وتشير بعضهن إلى أن ذلك أحسن بكثير، مادامت العملية تتعلق بمناسبة عابرة. علي الزايدي مظاهر الاحتفال بالمولد في الماضي تونس الصباح: مازالت مظاهر الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف التقليدية قائمة في عديد الأوساط الاجتماعية، وخاصة الريفية منها. وهناك تقاليد وعادات لم تعرف التحول الذي شهدته المدن خلال هذه المناسبة. ففي يوم المولد النبوي مازالت مناطقنا الريفية تتمسك بعادات توارثتنا عن الآباء والأجداد، وهي تتمثل في طهي عصيدة الدقيق فحسب، المستخرج أما من القمح الصلب أو اللين. أو من الشعير وهو ما يطلق عليه بأكلة "البازين" أو "العيش"، و"الثريد". وحسب تقاليد الجهات، فإن البعض يجعلها عصيدة حارة الأنفاس، وذلك بإعداد مرق حار، ممزوج خاصة بالبيض لتناول "الثريد". كما يحلو للبعض الآخر وفي جهات مختلفة من البلاد، أن يكون هذا "الثريد" ممزوجا بزيت الزيتون، أو بالعسل، أو بالزبدة. وهي كلها مذاقات تطورت بمفعول الزمن، لكنها لم تتجاوز في أفراحها بالمولد هذا البعد. أما مع بداية ظهر يوم المولد النبوي، فإن مظاهر الذبائح تعم كل المناطق الريفية، وتكون وجبة العشاء دسمة بلحم الخروف، ويجمع في تناولها كل سكان المناطق الريفية بأغنيائها وفقرائها. إن هذه العادات الضاربة في عمق التاريخ، تأخذ طابعها الثقافي والاجتماعي من بعد هذه الاحتفلات وتوارثها بين الأجيال. ولعلنا لو عمقنا النظر فيها للاحظنا مدى تأصلها، وعمقها وأبعادها. وهي أيضا على بساطتها تعكس قيما ثابته في المجتمع التونسي، وخاصة منه الريفي الذي بقي متمسكا بها دون أن تستهويه عادات سكان المدن الكبرى التي تنوعت بين تناول عصيدة الزقوقو، والحلويات والفواكه الجافة والسهرات وإلى غير ذلك من المظاهر.