التصدي لتأثيرات الأزمة المالية الحالية تكون أولا بزيادة الاستثمار وتنمية النمو الداخلي والخارجي. تحقيق هذه الغاية يعتمد بالأساس على عدة معطيات داخلية وخارجية. ومن أهمها زيادة الإنتاجية والمردودية في المؤسسات وذلك باعادة النظر في طرق الإنتاج من ناحية وتحسين الجودة والتخفيض في تكاليف الإنتاج والتقليص من نسبة ضياع الوقت ودعم الجوانب التي تدعم الجودة من ناحية أخرى. الاستثمار بمختلف أنواعه هو من مصادر خلق الثروة وتكون نتائجه دائما لخلق مواطن الشغل ومنه تقوية القدرة الشرائية وتحسين مستوى عيش المواطن. الاستثمار له علاقة بالظرف الذي هو فيه ثم له ارتباط مباشر بنوعية الاستثمار الذي يراد انجازه. السؤال المطروح الآن هو أي السبل يجب اتخاذها للزيادة في الاستثمار وما الذي يجب فعله حتى ندعم أكثر الانجازات الكبيرة التي تحققت في تونس. الأكيد والمتأكد أن المهمة والمسؤولية منوطة قبل كل شيء بأصحاب رؤوس الأموال لما لهم من إمكانيات مادية تأهلهم لدعم التطور الاقتصادي وجلب الاستثمار خاصة الأجنبي منه ذا القيمة المضافة العالية. النهوض بالاستثمار يحتاج كذلك إلى رسكلة المسؤولين عن هذا القطاع بصفة مستمرة وإعطائهم الفرصة للانخراط في عملية التدرب المباشر وذلك لتقوية روح المبادرة واكتساب القدرة على فهم المستجدات الحالية والمستقبلية التي تظهر في ميدان الصناعة وكذلك تنمي فيهم قوة التأثير النفسي التي بواسطته يمكن فهم الآخرين وخاصة الأجانب وحفزهم أكثر على الاستثمار في البلد. كيف نقدم الإمكانيات وفرص الاستثمار وكيف نبلور هذا بطريقة سلسة وجلاَبة نضع بها كل مستثمر في حالة ارتياح حيث يندفع لأخذ المبادرة الأولية التي هي أساس خلق جو من الثقة والارتياح لديه. التكوين النفسي والسلوكي يجب أن يجعل من هؤلاء المسؤولين المهتمين بجلب الاستثمار حلقة وصل بينهم وبين الذين يريدون الاستثمار في تونس. الاتصال المباشر والتأثير المباشر هما أنجع بكثير من الوثائق الاشهارية والمراسلات. الإكثار من الإتصلات المباشرة والتقليل من أساليب الأوراق الإدارية هما من أهم الوسائل الحديثة لجلب الاستثمار ويتمثل هذا قبل كل شيء في استحداث الرابطة والعلاقة اللتين تجلبان الاستثمار المتاح في تونس للمستثمر المستقبلي سواء كان من أهل البلد أو أجنبيا. كل هذا يجرنا إلى التفكير في تطوير الطريقة التي يقع بها جلب المستثمر. السر ينطوي كله هنا على إحداث وتبني استراتجية متجددة ومتناسبة مع المعطيات الاقتصادية الجديدة التي هزت النظام الاقتصادي العالمي اخذين بعين الاعتبار الإجراءات التي اتخذت أخيرا لفائدة دعم الصناعة وتطوير المؤسسات بما رصد لهذه الغاية من أموال. الحوافز المخصصة لتحديث الصناعة التونسية كان لها كبير الأثر وحتى يمكن زيادة تأثيرها وجب على الكل أن يفهم أن الظرف الحالي لا يسمح بالتباطؤ والنظرة القصيرة والأنانية الاقتصادية. الاستثمار المستديم وحتى نكون على بينة أكثر من حقيقة الاستثمار خاصة الذي يأتي من الخارج وجب بيان هذا الواقع بدراسة مستفيضة ودقيقة والتي بواسطتها تنكشف السلبيات والإيجابيات وما يجب فعله لتحسين الوضع إن لزم الأمر. الانتباه والاستماع لكل ما يقوله ويقدمه المستثمر المستقبلي وما هي همومه وحاجاته هي من أهم الوسائل الاستشرافية لتطوير الصناعة المستقبلية وخاصة منها التي لها مردودية وقيمة مضافة عالية. الاستثمار ليس فقط قضية مؤسسات ومسؤولين وموارد بشريَة ومالية بل كذلك مسألة التغير المستمر في فهم الظروف الاقتصادية الذي يجب أن يكون موازيا للمعطيات الجديدة والمتجددة للمناخ الاقتصادي ككل والنمو الصناعي حصرا. السياسة العامة هي الظاهرة العامة للنهوض بالاستثمارات وهي بعبارة أخرى الوسائل والطرق والإستراتيجية التي تهتم بالدعم الصناعي. لذا كان من الواجب التكيف مع الظروف الظاهرة والخافية مع الاعتماد على سياسة الاستشراف. يجب البحث عن رؤوس الأموال وخاصة منها الأجنبية التي تتماشى مع معطياتنا وليس انتظارها حتى تدق على بابنا. تعريف المستثمرين بالشروط الميسرة والفرص المهمَة للاستثمار وكذلك الحوافز الضريبيٌة والتكوين الجيَد لدى المهندسين وغيرهم من أصحاب الشهادات والعمال المهرة والشروط الجيَدة والإمكانيات المتاحة في المناطق الصناعية وجودة المواصلات ووسائل النقل وغيرها من المستلزمات الجيدة للبنية التحتيَة. في الحقيقة هذا كله لم يعد حافزا لجلب الاستثمار بل المهم وقبل كل شيء هو التركيز على الإمكانيات المثالية لخلق المؤسسة لذا وجب على كل من يهمه الأمر أن يقوم بمجهود إضافي لتوضيح أهميَة الاستثمار لدى المستثمر المستقبلي مرتكزا على نتائج الشراكة على المدى البعيد وأهميتها في خلق مناخ جديد يعود أساسا وبالتأكيد بالنفع المباشر المشترك. من هنا وجب التركيز المستمر على تكوين المهتمين بتطوير الصناعة من الناحية الفنيَة والاقتصادية لكي تكون المقترحات المستقبلية التي تهتم بالتصنيع متأتية من أناس أصحاب خبرة. تعلمَ المناقشة والحوار وكيفية التأثير على الآخرين لجلب استثمارهم هي من أهم العمليَات التي يجب أخذها بعين الاعتبار ,إعطاؤها المساحة اللازمة لدى كل من يهمَه الأمر يظهر سهلا ولا يحتاج لأي جهد ولكن الحقيقة هي العكس لذا يجب التحليَ بعدة صفات حتى يكون الإنسان ناجعا في استقطاب الاستثمار من بينها أن يكون لديه فهم للآخر بسرعة وفطنة وبدون إحراجه لان ذلك قد يقوي فيه عزوفه عن الاستثمار ويجب فهم عقليته حتى نتجنب عواقب الترجمة السيئة للشيء المراد قصده. الحوافز والتشجيعات المتاحة حاليا كثيرة ومتنوعة والبعض منها معتبر جدٌا بالنسبة لعدة دول أخرى. على رغم من أهمية الحوافز من حيث استقطابها للمستثمرين فإن هناك جوانب أخرى يجب تدعيمها باستمرار وذلك بتحسين الوضعية بصفة مستمرة وخاصة فيما يخص جلب المستثمرين المعتبرين الذين لهم إمكانيات تصنيعية معتبرة وحديثة والتي تعود مباشرة بالنفع على النسيج الصناعي. المهم أن نبين الأمر بطريقة تنمي فيهم الطمأنينة وتخلق لديهم روح الوفاء والشراكة الحقيقية المتبادلة النفع. من أهم الطرق التي تجلب المستثمر الخارجي أو الأجنبي كما يحلو تسميته عند البعض هو تقديم مشاريع معينة ومدروسة بامتياز ولها كل مواصفات المشاريع الناجحة والمستقبلية. هي مشاريع محددَة ومختارة والتي هي في انتظار مستثمرين جديين ومستعدين بكل وعي للاستثمار لأنهم يعرفون من أين تأكل الكتف ولأن لهم نظرة مستقبلية ثاقبة ويعرفون كيف يربطون مصالحهم بمصالح الآخرين أي يتصرفون وفق إستراتيجية مستقبلية ذات منفعة مشتركة تؤمن بالتعاون والتواصل مع الآخر. البحث عن مستثمرين جدَيين وتوفير لهم كل معطيات الاستثمار المؤمَن والمريح من حيث تمكينهم لكل ما يسهل وييسر مهمتهم في البلد هي من الوسائل التي تعجٌل في تصنيع البلد ومده بصناعات حديثة ذي جدوى اقتصادية كبرى. غالبا ما نرى أن المستثمرين الفاعلين والمؤثيرين يبحثون عن مشاريع جدية ومهمة لها مردود تجاري آني ومربح ولها صبغة متجددة أي مشاريع مقبولة من طرف البنوك ذي قيمة مضافة عالية ومخاطر محدودة. المستثمرون أنواع خلق صناعة مستقبلية قبل الآخرين وبالأحرى قبل المنافسين الآخرين يعطي للمشروع الجديد سبقا تنافسيا أكبر ولو لفترة ضيقة وذلك بتفرد وتخصص محدثا بذلك واقعا صناعيا جديدا. يجب أن نتذكر أن المؤسسات ذات النظرة المستقبلية القصيرة تكون عادة وغالبا معرضة للأخطار لأنه ليست لها روح المبادرة السريعة ورد الفعل السريع وكذلك نقص في التصور الإستراتيجي. المستثمر أو بالأحرى قراره في الاستثمار في بلد ما يمكن تعجيله وتأكيده إذا عرفنا كيف نؤثر عليه وكيف نقدم له المشروع . الطريقة التي نقدم بها هذا المشروع لها أهمية كبرى على ايجابية قرار هذا المستثمر وخاصة أن المستثمر الجدي ليس له وقت كثير ولا يريد أن يدخل في التفاصيل الجزئية التي ليس لها تأثير على مردودية المشروع ومن هنا وجب على كل من يريد التعامل مع المستثمرين الأجانب ذوي القدرات الهائلة أن ينتبهوا لهذا الجانب غير الجدي بل على العكس عدم المبالاة بهذا قد يخلق مشاكلا نحن بغنى عنها لما لحاجتنا الأكيدة لجلب رؤوس الأموال المهمة خاصة في هذا الظرف الاقتصادي الصعب. المهم هو تقديم الجانب العملي للمشروع مع سرد أهم عوامل المردودية الحقيقية وليس تلك التي تكون على شكل افتراضات يصعب تبيين حقيقتها. الزمن هذا هو زمن الشفافية والذكاء لأن المعلومة يمكن التأكد منها في اللحظة نفسها وأنت جالس أمام المستثمر الذي تريد التعامل معه. المستثمرون الأوروبيون هم أناس عمليون ويحبون الأمور المضبوطة والدقيقة وينظرون للأمور بنظرة مختلفة وحرصون على دقة المواعيد سواء المقابلات أو الاجتماعات أو جدولة المشاريع أو غيرها من النواحي التي تيٌسر إنجاز المشاريع المتفق عليها. علينا أن ننتبه جيدا إلى أن هؤلاء لهم عدة عوامل قياسية التي بواسطتها يقيمون جديٌة المشروع وذلك لما لهم من معطيات دقيقة قد تتبادر للبعض منا بدون اعتبار ومن هنا وجب علينا أن نتأكد جيدا من أسلوب ذلك المستثمر في تقييم المشروع المراد إنجازه. المستثمر الوارد علينا من البلدان الصناعية الكبرى صار أصعب بكثير مما كان عليه في الماضي وذلك نتيجة التنافس بين الدول على جلب الاستثمار لذا نرى الدول تفتح الأبواب على مصراعيها وتقدم الحوافز تلوى الأخرى وتسهل له الأمور وتوفر له كل المتطلبات حتى يرضي أن يستثمر في ذلك البلد. جلب الاستثمار صار من العمليات المهمة التي يجب الاعتناء بها بصورة جدية ومسترسلة وأن يقرأ لها ألف حساب. صارت جزءا مهما وثابتا في السياسة الخارجية للبلدان ويعد لها إستراتيجية خاصة وميزانية معتبرة. ومن هنا وجب التفكير في التعبئة الحقيقية تجاهها وذلك بمختلف الوسائل التوعية والمؤثرة كالدعوات لزيارة البلد والاعلانات على وسائل الإعلام والتظاهرات للنهوض بالاستثمار والاتصالات المباشرة التحسيسيٌة لجلب أكثر عددا من المستثمرين وغيرها من الوسائل المادية وكذلك اللامادية التي تسهل جلب رؤوس الأموال. يجب أن نفرق بين أصناف المستثمرين فمنهم من يهتم بالصناعات ذات القيمة المضافة المنخفضة مثل صناعة النسيج والأحذية والتركيب أي تجميع القطع وتركيبها والتي لا تحتاج إلى مهارات عالية ثم هناك من المستثمرين الذين يهتمون بالصناعات ذات القيمة المضافة العالية كالإلكترونيات والآلات الدقيقة التي تحتاج إلى يد عاملة ماهرة وكوادر أكفاء. هذا التبيان ينبهنا بان المستثمرين ليسوا نوعا واحدا بل هم مختلفون من حيث النوع ومنه وجب علينا التصرف معهم حسب نوعية المشروع لأن متطلبات كل نوع تختلف عن الأخرى وهذا التمايز والاختلاف يجبرنا أن نتعامل بصورة مختلفة لكل صنف لأن المتطلبات مختلفة وحتى العقلية الصناعية لكل واحد منهم مختلفة. لكل مستثمر له مبتغياته وغاياته وأهدافه وكذلك له طريقته ووسائله التقييميٌة والتحليلية. من أهم العوامل التي يجب التفطن إليها هو حسن التمييز بين متطلبات المستثمرين فالمستثمر الألماني له متطلبات تختلف كليا أو جزئيا عن متطلبات الفرنسي. الانتباه لهذه النقطة من أهم الوسائل التي يمكن تقريب وجلب المستثمر. كل مستثمر له طريقته في تحليل وتقييم المشاريع ولكن الشيء الثابت والمؤكد أنه لا يستثمر إلا إذا كان متأكدا مائة بالمائة بمردودية المشروع وليس له حسابات مغلوطة كل خطوة تحسب بجدية ودقة مهما كانت أهميتها وليس هناك مجالا للمجاملات أو التقييم السطحي أو الناقص. نوع المشروع الصناعي سواء كان موادا إستهلاكية أو موادا رفيعة أو موادا ذات قيمة عالية وغيرها هي مرتبطة بالدرجة الأولى بقيمتها التسويقية بالدرجة الأولى في بلد صاحب ذلك المشروع الذي يهتم جديا بقيمة تلك المواد التسويقية. الألماني يميل أكثر للاستثمار في الصناعة ذات القيمة المضافة العالية مثل الميكانيك والسيارات وغيرها من الأشياء الدقيقة أما الإيطالي فيهتم بالصناعة ذات القيمة المضافة المنخفضة كالأحذية والنسيج والملابس ولكن يهتم كذلك بالصناعات الأخرى ولكن بأقل درجة من الألماني. هذا التباين الذي ليس قاعدة ثابتة يمكن العمل بها بطريقة عامة ولكنها صفة مهمة لتوضح لنا ولو بإيجاز أهمية العقلية في اختيار المشاريع. مهما كانت الوسيلة التي سنستعملها أو الطريقة التي سنتوخاها سواء كان ذلك على شكل سياسة استثمارية عامة أو على مشاريع منفردة يجب وضع برنامج تحسيسي وإشهاري مضبوط وطويل الأمد له مراحل معينة في الزمن على مختلف مداه أي القصير والمتوسط والطويل مع الأخد بعين الاعتبار خصائص كل بلد على حدة وذلك حتى يسهل أكثر جلب المستثمر مهما كانت القيمة المالية للمشروع.