لا أدري لماذا كلّما تقدمنا خطوة الى الأمام في نظام التأمين على المرض إلاّ وتجد البعض يفعل ما بوسعه للعودة بنا عشر خطوات الى الوراء. أورد هذا بعد أن سمعت وعاينت سلوكات بعض الأطباء الذين اختاروا طوعا وأؤكد على كلمة طوعا لا قسرا الانخراط في نظام التأمين على المرض بعد طول أو قصر تلدد. هؤلاء الأطباء وعدد هام منهم من أطباء الاختصاص يفعلون ما بوسعهم كي ينالوا كما يقول المثل الفرنسي «الزبدة وثمن الزبدة».. فهم لا يريدون التفريط في حرفاء تقليديين أو حرفاء محتملين هجروهم أو بالامكان أن يهجروهم لأنهم لا يتمكنون عند العلاج عبرهم من استرجاع مصاريف العلاج.. ولا يريدون في الآن نفسه التفريط في مكتسباتهم السابقة التي أثمرت لهم ما ينعمون به من رفاه وامكانيات في حين ظلّ حال المواطن المسكين يزداد تدهورا لأنه يدفع للجميع ولا يتقاضى إلاّ مرتبه. هؤلاء الأطباء الذين يشغلون قوائم الكنام المعلّقة في مراكزها أو على موقعها بشبكة الانترنيت بما يمنح المنخرط الإرتياح بأنّه أينما يتجه فهناك طبيب منضو للصندوق يضعون شروطا تعجيزية بل تراهم إذا ما شغلوا بناية واحدة يتفقون فيما بينهم لفرض تلك الشروط.. فيشترطون أن يسدد المريض ثمن الفحص كاملا حتى وإن كان ممن اختار دفع ثلث المبلغ فقط بل ويزيدون في مغالاتهم بأن يطالبوا بمبلغ أرفع مما تمّ الاتفاق حوله بين نقابتهم والصندوق. هذه السلوكات التي بدأت تستفحل تدعونا للتساؤل إن كان من يعمد الى نهجها لا يخطط الى فرض نظامه الذي فشل في تطبيقه وكان سببا في الامتناع عن الانخراط في المنظومة في وقت سابق.. أي بعبارة أوضح الى تغيير التكتيك والقبول بالانضمام الى الكنام وهدّ أركانها من الداخل على اعتبار أن من المقوّمات التي قام من أجلها الصندوق هو مبدأ التكافل أي مساعدة المواطن أكثر ما يمكن كي لا تثقل عليه كلفة العلاج ولا يدخل في دوامة التطبيب الذاتي لارتفاع كلفة الفحص. هذا الوضع يدعوني كذلك للتساؤل حول دور الكنام في الحدّ من هذه التجاوزات وما مدى ما يخوّله لها القانون من صلاحيات أي هل تكتفي بالتنبيه أم بإلغاء التعاقد أم برفع دعوى قضائية ضدّ هؤلاء الخارقين لمبادىء الاتفاقية التي أمضوا عليها والتشهير بهم؟ ومن التساؤلات كذلك التي تطرح نفسها ما يتعلّق بالدور الذي يمكن ان تلعبه المراقبة الاقتصادية في مثل هذه الحالات بما أن العلاج لا يعدو أن يكون إلاّ خدمة من جملة عديد الخدمات المقدّمة والتي تتدخّل فيها المراقبة بحزم فلماذا تغضّ الطرف في هذه الحالة بالذات والحال أن بنود العقد واضحة بين طرفيه وأنّ ما يأتيه بعض الاطباء هو خرق للقانون ولما تم الاتفاق حوله من جهة كما أنه يضرّ بميزانيات العائلات وبالتالي بمؤشرات الاستهلاك التي تسعى سلطة الإشراف الى المحافظة عليها قدر الإمكان؟ لقد قبل المضمون الاجتماعي أن تقتطع من مرتبة مساهمات مقابل خدمات.. لقد دفع دون نقاش وهو يطالب اليوم كل من له صلة بأن يحفظ له حقوقه كاملة بعد أن أدّى واجبه على أحسن وجه.. وذاك أضعف الايمان المطلوب من مسؤولينا. حافظ الغريبي للتعليق على هذا الموضوع: