حدثان اساسيان تستعد لهما مدينة القدس، اما الاول فيتعلق بالزيارة المرتقبة للبابا خلال الاسابيع القادمة بكل ما يمكن ان تحمله معها من رسائل واشارات للمجتمع الدولي بشان اهمية وموقع المدينة بالنسبة للمسيحيين والمسلمين من الفلسطينيين واليهود ولكن ايضا بالنسبة لاكثر من مليار مسلم في العالم، اما الثانية فتتعلق بالاستعدادات الجارية لانطلاق فعاليات القدس عاصمة للثقافة العربية بعد تردد استمر نحو عشر سنوات بكل ما يعنيه مثل هذا الحدث ايضا من تحديات ومن عراقيل لانجاحه وما يمكن ان يجسده من مسؤوليات بالنسبة لمختلف الاطراف والمنظمات في حماية حاضر المدينة ومستقبلها وتحصين ذاكرتها من مختلف انواع التهديدات التي تترصدها... كثيرة هي الشعارات المؤيدة للقدس التي رفعت حتى الان استعدادا للحدث القادم وهي بالتاكيد شعارات جميلة وجذابة ولكن الاكيد ايضا ان واقع القدس في حاجة اليوم الى اكثر من مجرد شعارات حماسية وبيانات خطابية واشعار غنائية او رثائية تمجد تاريخ القدس. ولعل السؤال الاكثر الحاحا في الاذهان اليوم سيبقى مرتبطا باي قدس سيحتفل العرب وهل ان الفعاليات ستكون في القدسالشرقية ام القدس التاريخية ام خارج الجدار العازل ام بعيدا عن ارض القدس وهو بالتاكيد سؤال يحتاج الى اجابة شافية من كل الاطراف والهيئات التي اخذت على عاتقها حماية القدس بكل مواقعها التاريخية وهياكلها... قبل يومين وفي نفس الوقت الذي كانت فيه وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون تلتقي نظيرتها الاسرائيلية تسيبي ليفني خلال اول جولة لها في منطقة الشرق الاوسط كانت عمليات التنقيب والحفر في محيط المسجد الاقصى مستمرة كعادتها دون ان تثير من جانب المسؤولة الامريكية ما من شانه ان يذكر سلطات الاحتلال الاسرائيلي بحجم ومخاطر حملات التهويد المكثفة التي تواجهها المدينة بكل ماتمثله من ارث حضاري وتاريخي وانساني للمسلمين والمسيحيين على حد سواء. ولا شك ان الامر لم يعد يتوقف عند حدود ما يحدث من حفريات سرية ومن عمليات بحث وتنقيب حول المسجد الاقصى او اسفله على خطورتها بما ينذر باحتمالات تعرضه للانهيار في كل حين ولكن ايضا بما بات يستهدف اهل المدينة المقدسة من حملات لتشريدهم وتشديد الخناق عليهم ودفعهم للهجرة بما يمهد الى تحقيق هدف سلطات الاحتلال الذي كانت ولا تزال تسعى اليه بكل الطرق في اعلان القدس بجزئيها عاصمة ابدية لاسرائيل بما يتعارض صراحة وبشكل كلي مع الوضع القانوني للمدينة الخاضعة للاحتلال والتي جاء القرار 181 للجمعية العامة لينص على بقاء القدس وحدة اقليمية مستقلة ذات وضع دولي خاص ولا تقبل باي حال من الاحوال ما يمكن ان تعمد اليه سلطات الاحتلال لفرض سيطرتها الكاملة على المدينة وحرمان اهلها الاصليين من حقهم في البقاء وفي الامتلاك والتصرف في املاكهم وفي اعادة اصلاحها والحفاظ عليها... ولعل في الانذارات المتكررة والتهديدات التي ما انفكت سلطات الاحتلال توجهها الى مئات العائلات الفلسطينية في حي سلوان بالقدس ودفعهم الى ترك البيوت التي توارثوها على مدى اجيال عن ابائهم واجدادهم ما يؤكد ان المخططات الاسرائيلية اخطر واعمق مما يمكن ان يبدو في الصورة وهي بالتاكيد مخططات تهدف الى طمس الهوية العربية للمدينة والغائها وتهويد مقدساتها تمهيدا لاقامة مدينة يهودية لا مكان فيها للسكان الاصليين الفلسطينيين مسلمين او مسيحيين وفقا لما تبناه الكنيست الاسرائيلي والتزم بتحقيقه بعد حرب 1967.. ولا شك ايضا ان بناء الجدار العازل تحت ذريعة صيانة الامن الاسرائيلي ما يعكس حقيقة النوايا الاسرائيلية وما تخفيه من مخططات لمصادرة ما بقي من الاراضي الفلسطينية وتطويقها بالمشاريع الاستيطانية لاحتضان المهاجرين اليهود القادمين من مختلف انحاء العالم بما يساعد في الغاء وتضييق الفرص امام اي مشروع لاقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة والاستمرار او استقبال العائدين من ابنائها اللاجئين...ان حماية القدس واعلانها عاصمة للثقافة العربية مسؤولية تتطلب اكثر من الرهان على بعض الشعارات اللامعة...