منذ بعث الكيان الصّهيوني عام 1948 لم ير العرب من إسرائيل إلاّ المكر والخداع والدّهاء وضمّ وجرف الأراضي والتجويع وتجريب كلّ أنواع الأسلحة المسموح بها والممنوع منها دوليّا وتقتيل الكبار والصّغار والرّجال والنّساء وحتّى الرّضّع والمحارق وزجّ بآلاف الفلسطينيين في غياهب السّجون معتبرة إيّاهم من صنف الإرهابيين. من بن غريون الذّي أشرف على تأسيس إسرائيل (1948) مرورا بقلدمائير وبيقين وبيريز وشارون السّفّاح ووصولا إلى باراك وأولمرت وليفني كلّهم وجوه لعملة واحدة. أمّا الحكومة اليمينية المتطرّفة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة بقيادة ناتنياهو فحدّث ولا حرج، فهذا ليبرمان وزير الخارجية يقول علنًا ويصرّح تصريحات حاقدة من قبيل: "إسرائيل تتنصّل من تفاهمات أنابوليس(2007) - ولا تتعامل مع طرحها - الحرب هي التّي تحقّق السّلام لا التنازلات المؤلمة - لا نقبل بالانسحاب من هضبة الجولان - لا نتبنّى رؤية قيام دولة فلسطينية مستقلّة بجانب إسرائيل - نلتزم فقط بخريطة الطّريق بالصيغة الإسرائيلية - لا تفاوض مع العرب إلاّ بالحرب..." هو يحلم فقط بنصر مثل نصر حرب الأيام الستّة، ولا تعنيه في شيء المرجعيّات الدّولية والأممية، هو يريد استسلاما لا سلاما. الإسرائيلي الوحيد الذّي مشى في مسار سلام دائم وعادل سلام الشجعان كما كان يسمّيه الشهيد ياسر عرفات هو إسحاق رابين الذّي فهم المتطرّفون اليهود مقاصده وتوجّهه فلم يتردّدوا في اغتياله. ومع التّحدّي الإسرائيلي القائم الآن نضيف تحدّيا آخر لا يقلّ أهميّة وهو التّحدّي الاقتصادي الذي كان غير منتظر والذّي أضرّ بالاقتصاديات العربية بدرجات متفاوتة كلّ حسب نسبة ارتباطه بالاقتصاد العالمي، وقد توقّع الأخصّائيون في هذا الميدان أنّ هذه الأزمة وتبعاتها وأبعادها وانعكاساتها لا تنتهي قبل 2013. ولا ننسى كذلك ما تمارسه بعض الدّول الحدودية (إيران، تركيا) وبعض القوى العظمى (الولايات المتّحدة وفرنسا وبريطانيا) من ضغوطات ونفوذ واستقطاب للظّفر بالأسواق والمقاولات والامتيازات وفي نهاية الأمر ببترول العرب. فأين المفرّ من هذا الخطر المحدق بالعرب؟ في رأيي المتواضع العرب الآن محتاجون إلى "خريطة طريق" توجّههم إلى الطّريق الصّحيحة وتهديهم إلى سبيل الخلاص وتؤمّن لهم الخروج بسلام من هذه التّحدّيات المختلفة بالاعتماد على سبيل الذّكر لا الحصر على: * مساندة المقاومة الفلسطينية ماديّا ومعنويّا ما دامت إسرائيل متغطرسة * مزيد استشراف واستقراء التّحوّلات الاقتصادية * القيام بعملية الإصلاح والتّطوير والتّحديث تشمل كلّ الهياكل والمؤسسات في الدّول العربية. * منح المرأة حقوقها وتفعيل دورها إذ هي تؤلّف نصف المجتمع. * اعتماد التّعاون والشّراكة والتّكامل الاقتصادي الثّنائي في مرحلة أولى (تونس وليبيا مثال يحتذى في هذا المضمار) ثمّ في مستوى المنطقة: منطقة المغرب العربي ثمّ في مستوى الوطن العربي. * تكوين تكتّلات وتجمّعات إقليمية على غرار ما يقع في العالم لأنّ البقاء اليوم للأقوى مستغلّين المقوّمات الميسّرة لذلك كالعامل الدّيني والجغرافي واللغوي والتاريخي... * ترجمة النّوايا الحسنة إلى قرارات عملية قبل أن يستفرد بنا العدو مستضعفين القطر تلو الآخر. * التضامن مع بعضنا البعض في السّراء والضرّاء مثل ما فعلنا مع السّودان على إثر إصدار المحكمة الجنائية الدّولية مذكّرة تنصّ على إلقاء القبض على الرّئيس البشير. وعلى ذكر السّودان يقول الأخصّائيون في الزّراعة أنّ السّودان لو تُبذر قمحا وشعيرا فإنّ إنتاجها سيكفي سكّان السودان ويلبّي احتياجات كلّ سكّان الوطن العربي من الحبوب. من هنا نفهم لماذا يحرص الصّهاينة على تشتيت العرب وعلى العمل بمقولة الإنقليز: "فرّق تسدّ". ولا عجب - إذا صحّ العزم - وأصبح العرب يشكّلون قوة اقتصادية - وهذا أملي - أن نرى كلّ العاطلين في الوطن العربي قد وقع استيعابهم في العمل وأصبح الشّباب الإفريقي ولم لا الشباب الأوروبي أو الغربي "يحرقون" إلى البلدان العربية للظفر بعقود عمل والبحث عن مورد رزق، الأمل وطيد ونسأل الله التوفيق.