تونس - الصباح : في المنار الثاني حي سكني هادئ بنى فيه متساكنوه بعرق جبينهم فللا حاولوا أن يجملوها قدر الإمكان بما أحاطوا بها من حدائق وذلك تحسينا لمظهر ذلك الحي ومشاركة منهم في تجميل المظهر المعماري وحماية البيئة التي تعتبر رافدا من روافد سياسة سيادة رئيس الدولة. استقر سكان الحي بحيهم وبعد نحو العشرين عاما من استقرارهم به اقتنى أحد الباعثين العقاريين قطعة أرض في قلب ذلك الحي مقسمة إلى ثلاثة مقاسم كانت حسب كراس الشروط ومثال التقسيم والتهيئة العمرانية لتلك الأرض معدة لبناء روضة أطفال بطابق أرضي ومقهى وحمام تبنى فوقها شقتان للسكنى على أن لا يزيد علو البناء عن تسعة أمتار. وقد حاول هذا الباعث العقاري بناء عمارة في قطعة الأرض المذكورة إلا أن البلدية لم توافقه على ذلك في أول الأمر لأنه عجز عن تنفيذ ما تقتضيه الفقرة الثانية من الفصل 43 من المجلة العمرانية القديمة التي تشترط لتغيير صبغة المقاسم وكراس الشروط ومثال التهيئة أن يتحصل صاحب المطلب على موافقة ثلثي المتساكنين الذين يملكون ثلاثة أرباع المقاسم غير أن أهل هذا الحي السكني الهادئ فوجئوا في أواخر التسعينات بآلات ضخمة تدخل قطعة الأرض وتشرع في حفرها في عمق يزيد عن الثمانية أمتار ولما اتصلوا بالدائرة البلدية بالمكان علموا أن البلدية قد رخصت لهذا الباعث العقاري في بناء مركب تجاري يحوي طابقين تحت الأرض لإيواء أكثر من ثلاثمائة سيارة وخمسة طوابق علوية، ورغم معارضتهم بصورة حضارية في ذلك استمر الحفر في أعماق الأرض حتى وقعت كارثة يوم 30 مارس 2003 حوالي الساعة الخامسة صباحا تسبب فيها استيلاء هذا الباعث العقاري على الرصيف الذي هو مرفق عمومي وأدخله في حضيرته ومن جراء الحفر العميق انهار الرصيف بما فيه من قنوات بما في ذلك القناة الحاملة للغاز التي تزود الحي والتي تحطمت وصعد منها الغاز إلى عنان السماء ولولا لطف الله وتدخل المتساكنين والحماية المدنية والشرطة لوقعت الكارثة لأن الغاز قد انتشر في الفضاء ودخل حتى إلى حدائق المنازل وقد اشتكى أصحاب المنازل المواجهة للحضيرة من هذا الوضع للجهات المسؤولة إلاّ أن الوضع بقي على حاله وبقي الرصيف إلى اليوم في حوزة صاحب الحضيرة ناهيكم أنّ بعض أعمدة فوانيس الإضاءة العمومية أصبحت داخل الحضيرة وتعطبت وأصبح نهج 7102 (الأخضر العرفاوي) يعج في الظلام إلى الآن. ولدرء هذه المظلمة عليهم وبقاء شكاياتهم بدون رد التجأ المتساكنون إلى القضاء الإداري ملتمسين منه إلغاء المقررين الإداريين الصادرين عن بلدية تونس والمتمثلين في المقرر الذي أصدرته البلدية لصالح الباعث العقاري وغيرت به كراس الشروط الأصلي والأمثلة الأصلية لتهيئة المنطقة والذي اشترى هؤلاء المتساكنون على أساسه مقاسمهم وفي رخصة البناء التي أسندتها له البلدية لبناء مركب ضخم يشتمل على طابقين تحت الأرض وخمسة طوابق علوية وقد ركزوا دعواهم على قاعدتين قانونيتين هما عدم رجعية القوانين وعدم المس بالحقوق المكتسبة باعتبار أنّ البلدية قد أصدرت المقررين الإداريين المذكورين استنادا إلى الفصل 65 من مجلة التهيئة الترابية والتعمير الصادر بها القانون عدد 122 لسنة 1994 المؤرخ في 28 نوفمبر 1994 والمنقح بالقانون عدد 78 بتاريخ 9/12/2003 بعد استقرار هؤلاء بمساكنهم لمدة تزيد عن الخمسة عشر عاما. كما تمسكوا أيضا بأن تغيير صبغة المقاسم الذي يجيزه الفصل 65 من المجلة الجديدة مشروط حسب فقرته الثانية بعدم المس بالمصالح المباشرة لبقية المالكين مؤكدين على أن هذا البناء الضخم سوف يلحق بهم أضرارا كبيرة ومتعددة منها حرمانهم من أشعة الشمس والنور والهواء إضافة إلى ما سيحدثه هذا العدد الهائل من السيارات (300 سيارة) تدخل وتخرج في كل حين وآن إلى ذلك المأوى الأرضي من ضجيج وما تنفثه من دخان يضر بصحتهم وبالمحيط البيئي الذي يعيشون فيه الا أن الدائرة الابتدائية بالمحكمة الإدارية ومن محض اجتهادها قضت برفض دعواهم فاستأنف هؤلاء المتساكنون ذلك الحكم وأنصفتهم محكمة الاستئناف بصدور حكمها يوم 28/04/2009 القاضي بإلغاء المقررين الإداريين المتمثلين في المقرر الذي غير صبغة المقاسم وكراس الشروط والمقرر المتمثل في رخصة البناء وهو حكم نهائي وبات باعتباره يتعلق بتجاوز السلطة ولا يقبل الطعن بالتعقيب حسب الفصل 66 من قانون المحكمة الإدارية. ورغم صدور هذا الحكم فإن الباعث العقاري مستمر في البناء بنسق أسرع بكثير مما كان عليه قبل صدور الحكم المذكور متجاهلا وضعه القانوني الذي يجعله في خانة القائم بالبناء بدون رخصة باعتبار أن مفعول الأحكام يرجع لا إلى تاريخ صدورها فحسب بل إلى يوم رفع الدعوى. وقد أعلم المحكوم لهم بلدية تونس والتي هي طرف في القضية بما صدر به الحكم بواسطة عدل منفذ وطلبوا منها التدخل لإيقاف أشغال البناء باعتبارها تجرى بدون رخصة خصوصا أن صاحبها يريد وضع المحكوم لهم والسلطة أيضا أمام الأمر المقضي إلا أن ّالبلدية ما تزال ملازمة للصمت. والآن وقد أعلمت البلدية بصورة رسمية بهذا الحكم البات وتسلمت منه نسخة رسمية فهل تتحرك وتتحمل مسؤوليتها احتراما لحكم القضاء العادل وتوقف هذا الرجل عن تماديه في خرق القانون وتلزمه باحترامه وبإيقاف أشغال البناء ثم تقرر بعد ذلك ما ستفعله في هذا البناء الذي تم بدون رخصة وبصورة مخالفة لكراس الشروط وأمثلة التهيئة العمرانية التي اشترى بمقتضاها هؤلاء مقاسمهم واستقروا بها منذ سنين عديدة؟ بذلك ترفع الضرر البالغ الذي لحق بالمحكوم لهم ويعود لهذا الحي هدوءه ولسكانه راحة البال والطمأنينة والاستقرار لأن هؤلاء المتساكنين عازمون على الدفاع عن حياتهم إيمانا منهم بأن «الحق يعلو ولا يعلى عليه في دولة القانون والمؤسسات». الأستاذ لزهر القروي الشابي