تونس الصباح لئن تتغير مواقيت العمل صيفا في الادارات والمؤسسات العمومية، وتخضع معظمها إلى الحصة الواحدة، فإن الطلب في مجال قضاء شؤون المواطن لا يتغير، بل يزداد ضغطا مثل الاقبال على البلديات لاستخراج الوثائق، أو استخلاص الفواتير المتعلقة بالكهرباء والماء والغاز، وكذلك الطلب في مجال الخدمات البريدية والبنكية، وداخل مؤسسة "كنام". هذا الضغط تفجره مدة عمل الادارات والمؤسسات الذي يكون قصيرا صيفا، قياسا بنظام الحصتين الذي يجري به العمل الاداري في باقي فصول السنة، حيث يكون للمواطن متسع من الوقت لقضاء شؤونه. فكيف السبيل لتخفيف هذا الضغط؟ وهل تمثل شبابيك بعض المؤسسات التي تسترسل في عملها حلا لتجاوز ظاهرة الضغط؟ ثم ماذا عن هذه التجربة وهل بالامكان توسيعها لتشمل خدمات أخرى مازال الطلب عليها كبيرا؟ مشهد العمل الاداري صيفا بعيد انطلاق العمل الاداري بالحصة والواحدة بيومين، انطلقنا في جولة داخل العديد من المؤسسات والادارات للوقوف على التغيرات التي يحدثها نمط العمل بالحصة الواحدة. لقد قادتنا جولتنا في البداية إلى بعض مراكز البريد والبنوك. ولاحظنا حركية كبرى وإقبالا كبيرا من طرف المواطنين تمثل على وجه الخصوص في طوابير طويلة، وازدحام، قابله نشاط وحركية دائبة من قبل الاعوان العاملين في هذه المؤسسات. وبحكم خضوع النشاط واستقبال المواطنين إلى تلك الارقام التي يستخرجونها من آلات ترقيم، حاولنا معرفة أرقى رقم لدى مواطن ينتظر دوره لقضاء شؤونه. ولا تستغربوا إن كان الرقم قد وصل إلى 504. أما في بعض الفروع البنكية فإن جميع فناءاتها قد غصت بالحرفاء، على الرغم من خدمات الموزعات الآلية التي تنشط على حدة في سحب الاموال. فبماذا فسر بعض مسؤولي هذه المؤسسات هذا الضغط الذي يحصل مع بداية العمل بالحصة الواحدة؟ السيد منصف ن. (قابض بفرع بريدي) قال: إن الضغط والطلب على شبابيك البريد يرتفعان خلال العمل بالحصة الواحدة صيفا إلى مستوى 30 في المائة تقريبا. وهذا الضغط تفسره عوامل عديدة، منها محدودية فترة العمل بالحصة الواحدة، وتزايد الطلب الناجم عن حضور مواطنينا بالخارج، وخصوصا تجمع الطلبات على الخدمات البريدية التي كانت تتم على حصتين صباحية ومسائية خلال باقي أيام السنة. وبين أن هذا الضغط قد يزداد حدة، ويبلغ ذروته في النصف الثاني من شهر أوت وذلك مع الاستعدادات التي تنطلق للعودة المدرسية والجامعية، مع ما يقابلها من فراغ داخل المؤسسة البريدية نتيجة انصراف العدد الهام من الموظفين لاخذ عطلهم السنوية. في بعض الفروع البلدية و"الصوناد" و"الستاغ" نفس المشهد بدا لنا بالامس صباحا، ونحن ندخل بعض الفروع البلدية، وخاصة فضاءاتها التي لها علاقة مباشرة بالمواطنين. ففي فروع بلدية مثل أريانة، وتونس العاصمة، وباب سويقة بدت الجموع كبيرة داخل هذه الفضاءات، هذا قد جاء لامضاء عقد والآخر ينتظر دوره لاستخراج رخصة زفاف، وثالث ورابع وعددهم بالعشرات هبوا لاستخراج وثائق رسمية، وخصوصا مضامين الحالة المدنية. وفي جانب آخر داخل الفضاءات البلدية تجمع العديد من الطلبة والتلاميذ والاولياء للقيام باستخراج الشهائد المطابقة للاصل للعديد من وثائقهم المتنوعة والمتعددة، سألنا السيد خالد عماري عن نشاط البلديات صيفا، وهل في مقدورها الاستجابة لطلبات المواطنين، فقال: "نعمل كل ما في وسعنا لتلبية طلبات كل الوافدين علينا، لكن إذا ما تعذر علينا ذلك مع البعض منهم، بحكم بلوغ وقت غلق الابواب، فإننا نلتمس منهم العودة في الغد.. لكني أؤكد أن كل من يبكر في الحضور إلى البلدية بإمكانه قضاء شؤونه، ولو بشيء من الصبر، وتفهم الضغط المسلط على الموظفين في الشابيك. وقادتنا جولتنا إلى فرعين لشركتي "ستاغ" و"صوناد"، فلاحظنا بشبابيكها أن الحضور كان أيضا مكثفا، خاصة في حدود الحادية عشر صباحا. ولما سألنا عن الأسباب أفادنا أحد المسؤولين بشركة "ستاغ" أن الامر يبدو عاديا بخصوص حضور الحرفاء، رغم أن النسبة مرتفعة نوعا ما مقارنة بفترة ما قبل بداية الحصة الواحدة بالعمل الاداري. في بعض مكاتب "الكنام" وتواصلت جولتنا عبر المؤسسات والادارات ذات العلاقة المباشرة بالمواطن، وحططنا الرحال ببعض فروع مكاتب "كنام"، وذلك بكل من أريانة، حي الخضراء، والمنزه. وهناك لم يشذ الوضع على ما هو عليه في المؤسسات والادارات سابقة الذكر، حيث حضر الكثير من المواطنين لقضاء شؤونهم، وتنوعت مطالبهم، وارتقت الارقام الخاصة بدورهم في الخدمة الى حدود 363 وما فوق. ولئن كانت الخدمات سريعة هناك، إلا أن حضور المواطنين الذي لاحظناه يؤكد أنه يفوق الامكانيات المتوفرة، ولا يمكن لبعض المواطنين إلا القبول بالعودة من الغد. ولعل هذا يبقى أمرا طبيعيا مع هذه المؤسسة الفتية التي لم يمض على انطلاقها أكثر من عامين، ولم تترسخ بعد داخلها أساليب عمل خاصة بها لاحتواء الطلبات اليومية التي ترد عليها، خاصة وهي كثيرة ومتنوعة وتشمل النسبة العالية من المواطنين المضمونين اجتماعيا وكل من هم في كفالتهم. المؤسسات.. وتجربة الشبابيك المسترسلة الضغط الذي يظهر خلال فترة الصيف والناجم عن الحصة الادارية الواحدة، خاصة في هذه الادارات ذات العلاقة المباشرة مع المواطن، كان محل بحث وتفكير في تجاوزه من قبل بعض المؤسسات والادارات. فمنذ سنوات عديدة بادرت شركتا "ستاغ" و "صوناد" إلى فتح شابيك مسترسلة العمل، دون التقيد بالحصة الادارية الواحدة. كما بادرت إدارة البريد، بالعمل الاضافي مساء لمدة ساعة في معظم فروعها، وعملت أيضا على الابقاء على بعض المراكز الرئيسية مفتوحة مثلما هو الحال مع المركز البريدي فرحات حشاد بالعاصمة. كما نسجت على منوال ذلك بعض الدوائر البلدية، وتركت نشاط بعض مكاتبها مفتوحا طيلة الفترة المسائية وخاصة تلك التي بعثت في المطارات والمساحات الكبرى والمرافئ. وقد سهلت هذه الشابيك مهمة العديد من المواطنين في قضاء شؤونهم، وخاصة منهم الذين يرتبطون بمواعيد سفر أو غيرها. كما مثلت هذه الشابيك حلولا خاصة للموظفين الذين لا يجدون وقتا لقضاء شؤونهم الادارية. هذه التجربة مثلت في الحقيقة حلا ولو جزئيا في تصريف شؤون المواطنين، ويقبل عليها الناس، لكن لابد من مزيد توسيع دائرتها وتعميمها على جهات عديدة. ولعل ابرز ما يلفت الانتباه ما تعلق ب"الكنام" التي لم تبادر بعد بفتح شابيكها، رغم مبادرتها قبل بداية العمل الاداري بالحصة الواحدة بفتح شبابيكها أيام الآحاد، ولو لوقت وجيز.