تونس الصباح أكثر من 3600 منارة تونسية تشعّ بالخارج وتضيء دروب الطلبة والباحثين في الجامعات الأوروبية والكندية والأمريكية وغيرها.. هذه الكفاءات درست في تونس وانفقت عليها المجموعة الوطنية أموالا طائلة لكنها بمجرد التخرّج التحقت للعمل بجامعات أجنبية.. بعضهم فعل ذلك منذ سنوات طويلة واكتسب خلالها الخبرة اللازمة وجمع من المال القدر الكافي الذي يضمن له ولاحفاده حياة مرفهة.. ولكنهم لا ينوون بعد العودة.. بل انهم لا يفكرون فيها اطلاقا.. الامر الذي يدعو الى التساؤل عن الأسباب. وعن هذا السؤال أجاب عدد منهم.. واجمعوا على انهم لا يرغبون في العودة لانه لا مجال للمقارنة بين ما توفره لهم الجامعات الأجنبية من ظروف بحثية ملائمة ومن أجور مغرية وحوافز مشجعة وما يمكن ان تمنحه لهم الجامعات التونسية في صورة اختيارهم العودة الى البلاد.. ولم يخف الجامعيون الذين تحدثنا اليهم امس خلال «يوم الكفاءات التونسية في الخارج» المنتظم بمدينة العلوم بالعاصمة ببادرة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا حبهم الكبير «لتربة» تونس ولهذا البلد الذي ترعرعوا فيه.. وقالوا انهم يسعون قدر المستطاع للمساهمة في النهوض بالبحث العلمي في تونس سواء عن بعد او عن طريق الاتصال المباشر والزيارات المتكررة للمؤسسات البحثية التونسية.. وذهب بعضهم الى ابعد من ذلك وبينوا انهم ربما يكونون أنجع وأنفع لتونس وهم خارجها وفي مؤسسات جامعية هامة في أوروبا وكندا وامريكا من ان يدرسوت هنا في تونس وشبه احدهم نفسه ب«سفير» البحث العلمي في فرنسا.. وعن سبب عدم تفكيره بعد في العودة الى تونس قال الأستاذ قاسم الزلامي المدرس بجامعة فرنسية اختصاص فيزياء والمقيم بفرنسا منذ سنة 1972، انه ليس هو الوحيد الذي لا يفكر في العودة الى تونس بل جل الأساتذة الجامعيين التونسيينبفرنسا وذكر انه بعد ان أتم انجاز رسالة الدكتوراه سنة 1981 بفرنسا لم تسمح له الظروف وقتها بالعودة بل لم تشجعه على ذلك فمكث هناك ولكنه كان دائم الاتصال بمن يعرفهم في البلاد من باحثين وجامعيين ثم لما سمحت الظروف اصبح يزور تونس احيانا اربع مرات في العام. وفي نفس الصدد بين الجامعي فوزي غريب المدرس بجامعة وندزر بكندا منذ سنة 1999 في اختصاص الهندسة المدنية انه لا يفكر في العودة الى تونس لاسباب عائلية بالأساس نظرا لأن ابناءه نشؤوا هناك وهم بصدد الدراسة، اضافة الى انه يحس بالراحة ولا يواجه صعوبات في المؤسسة التي يعمل فيها وهو يرى ان ظروف العمل بالنسبة للجامعي في الخارج افضل مما هو متوفر في تونس كما ان الأجر احسن، وان كان الأجر لا يهم كثيرا على حد قوله.. ومن جهته قال الأستاذ سمير فرحات اختصاص هندسة كيميائية بحامعة باريس انه لا يريد العودة الى تونس لاسباب عدة منها ان ظروف العمل في باريس افضل واطار البحث العلمي احسن وانجاز البحوث العلمية اسهل.. وبين الاستاذ الجامعي حسن الباجي المدرس بفرنسا في اختصاص الطاقات المتجددة انه سبق له ان درّس في تونس من سنة 1981 الى سنة 1988 ثم سافر الى فرنسا لاجراء رسالة الدكتوراه دولة وبعد ان انتهى منها اقترحت عليه الجامعة الفرنسية موطن عمل فقبل.. وقال محدثنا «نعم لقد قبلت عرض الجامعة الفرنسية نظرا لان ظروف البحث العلمي كانت فعلا مغرية ومريحة ومشجعة فكل الامكانيات متوفرة». ولكن هل ان هذا السبب وحده كاف للبقاء في فرنسا أم ان الجامعة اقترحت عليك مرتبا جيدا؟ عن هذا السؤال اجاب الجامعي بالتأكيد ان همه ليس جمع المال فقط.. فما دعاه للبقاء ليس المرتب العام بل ما وفرته له الجامعة من امكانيات للبحث العلمي. وأضاف سأقدّم مثالا بسيطا.. وهو مثال أي طالب تونسي يذهب للدراسة في الجامعة التي أدرس فيها،، اذ أنني لاحظت انه حينما يكون في فرنسا يجري بحوثه بكل أريحية وبالسرعة المطلوبة نظرا لان مراكز البحث والجامعات تعمل كامل ايام الأسبوع والى وقت متأخر من الليل.. ولكنه حينما يعود الى تونس لاتمام بحثه في الجزء الذي يجب أن يتمه في تونس لا يقوم بما هو مطلوب منه في الوقت المحدّد بل يضيع فيه الكثير من الوقت ويواجه عراقيل وتعطيلات عدة والحصيلة انه لا يقوم حتى بربع ما نطلبه منه.. وهو نفس ما لاحظته الجامعية ايناس الشوك التي تدرس في اختصاص التسويق بجامعة سارجي بضواحي باريس التي قالت انه لا يوجد اي وجه شبه بين ما توفره الجامعات الفرنسية من امكانيات بحثية وبين ما هو متاح للبحث في تونس.. فحتى حينما يريد السفر لتقديم محاضرة او المشاركة في ملتقى علمي تعترضه العديد من العراقيل والصعوبات.. وهو أمر لا يحدث في الجامعات الفرنسية.. تعاون.. وافادة خلافا لبقية الجامعيين فان ايناس التي امضت نحو تسع سنوات تدرس بالخارج أصبحت تفكر بجدية في العودة الى تونس وهي رغبة عائلتها.. اضافة الى اقتناعها بانها امتلكت الخبرة الكافية التي تسمح لها بالعودة الى أرض الوطن لافادة الطلبة هنا.. وهو أمر تختلف فيه مع الأستاذ سمير فرحات الذي يرى ان افادة الطلبة التونسيين يمكن ان تكون عن بعد وبتسهيل سبل التحاقهم بمراكز البحث في فرنسا وذلك اضافة الى ما وفرته الوسائل الحديثة للاتصال من امكانيات لاقامة علاقات تعاون دائمة مع الجامعيين والباحثين بتونس. واكد أن جل الأساتذة التونسيينبفرنسا يقدمون المساعدة للباحثين في تونس.. وهو نفس ما ذكره الأستاذ محمد علي حمدي المدرس بجامعة التكنولوجيا بفرنسا الذي افادنا انهم يعملون على تطوير التبادل العلمي المعرفي بينهم وبين الأساتذة والطلبة بتونس. وقال الأستاذ قاسم الزلامي انه تم تقديم العدد من المساعدات للطلبة التونسيين الذين يزورون فرنسا لاجراء بحوثهم في اطار الماجستير أو الدكتوراه وذلك في اطار المهام لتي تقدمها جمعية الباحثين والمدرسين التونسيينبفرنسا.. وتتمثل هذه المساعدات في تقديم المنح الجامعية او توجيههم الى المخابر البحثية.. ومن جهته ذكر الأستاذ حسن الباجي انه هو نفسه اشرف على تكوين وتأطير ستة دكاترة تونسيين وقد ارسل ثلاث منهم الى تونس وهم يدرسون هنا وأبقى على ثلاثة في الجامعة التي يدرس فيها وقام بانتدابهم.