توزر الصباح: تواصلت أمس في مدينة توزر أشغال الجامعة الصيفية الوطنية الثامنة عشرة للتجمع الدستوري الديمقراطي التي تناولت موضوع" الطبقة الوسطى في مشروع التغيير". وناقش ما يزيد عن ال300 مشارك من كوادر ومسؤولي التجمع مفهوم الطبقة الوسطى ودورها في المجتمع وفي سياسات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.. واجمعت النقاشات والتدخلات على أن المجتمع التونسي يتميز بتركيبة اجتماعية منسجمة تحتل ضمنها شريحة الطبقة الوسطى المكانة الاساسية عددا( تفوق نسبة المنتمين إلى هذه الشريحة 81% من مجموع السكّان) ونشاطا وبناءا ودورا في وضع الخطط والبرامج. وتم كذلك الاجماع على ان هذه الفئة من المجتمع تعدّ صمّام الامان والضامن الرئيسي لتماسك البناء المجتمعي ولقوّة النسيج الاجتماعي وللاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للبلاد وهي الضامن للاستقرار الامني والاجتماعي والتطوّر الاقتصادي والتنموي. وأجمعت الورشات الثلاث التي ناقشت موضوع الطبقة الوسطى في تونس والتي انقسم بينها المشاركون في الجامعة على ان سياسة التنمية في تونس اعتمدت خاصة على تلازم البعدين الاقتصادي والاجتماعي ودعم مقوّمات الارتقاء الاجتماعي لكافة شرائح المجتمع والعمل على حماية الفئات الضعيفة وإدماجها اجتماعيا واقتصاديا والسعي لالحاقها اقصى ما يمكن من الطبقة الوسطى بغرض القضاء نهائيا على نسبة الفقر التي لا تتجاوز 3%. والسعي الى تحقيق جملة من الاهداف المرسومة منها خاصة النهوض بالتشغيل ومواصلة العمل بسياسة توزيع الدخل في إطار تلازم البعدين الاقتصادي والارتقاء بإطار عيش المواطن وتحسين ظروفه.والعناية بالفئات ذات الاحتياجات الخصوصية والارتقاء بها من طور المساعدة إلى طور الادماج. الطبقة الوسطى في تونس ويذكر أن الطبقة الوسطى في تونس شهدت حسب مصادر المعهد الوطني للاحصاء توسّعا واضحا حيث أصبحت تتجاوز تقريبا 81% من مجموع السكان منذ سنة 2005 مقابل 77,6% سنة 2000 و70,6% سنة 1995. ويعتمد في احتساب نسبة الطبقة الوسطى على نتائج المسح الوطني حول إنفاق واستهلاك الاسر والذي يتمّ إنجازه كلّ خمسة سنوات،حيث يعتبر المنتمون للطبقة الوسطى السكّان الذين لهم حجم إنفاق سنوي للفرد في حدود ال 5000 دينار. ومن جهة أخرى عرفت نسبة الفقر تراجعا ملحوظا حسب نتائج مسح سنة 2005 إذ لم تتعد 3,8% سنة 2005 في حين تجاوزت 4% سنة 2000 وبلغت 6,2% سنة 1995 من مجموع السكّان. ومن أبرز ما ساهم في بروز واتساع قاعدة الطبقة الوسطى في المجتمع التونسي هو إتباع الحكومة التونسية لسياسة سكانية مميزة،ارتكزت على التحكم في النموّ الديمغرافي وتنفيذ سياسات تربوية وتعليمية متجددة ومتطوّرة حققت التعليم للجميع وساهمت في إرساء مجتمع المعرفة بالاضافة إلى تمكين المرأة من كافة حقوقها في الاسرة والمجتمع ومن فرص حضور أوسع في مواقع القرار وفي الحياة الاقتصادية والاجتماعية. كما كان لسياسة الاجور والمداخيل والتحويلات الاجتماعية واتساع مظلة التغطية الاجتماعية لجميع الفئات النشيطة في البلاد، الاثر الواسع في دعم الطبقة الوسطى والمحافظة على مكتسباتها واتساع نسبتها. وتعكس عديد المؤشرات التحسّن المطرد للرفاه الاجتماعي ولظروف العيش والذي يعتبر من العوامل التي ساهمت بشكل متميز في اتساع قاعدة الطبقة الوسطى في المجتمع التونسي.من هذه المؤشرات يمكن ذكر بلوغ الدخل الفردي السنوي للمواطن في تونس في نهاية سنة 2007، 4389 دينارا مقابل 2788 دينارا سنة 2000. ووضع البرنامج الرئاسي لتونس الغد 2004-2009 هدفا يتمثل في مزيد الترفيع في الدخل السنوي للمواطن ليتجاوز 5000 دينار سنة 2009 كما حدّد منوال التنمية للعشرية 2007- 2016 هدف مضاعفة الدخل الفردي للمواطن ليصل إلى حدود 8000 دينار سنة 2016. الى جانب ذلك وحرصا على حماية الطاقة الشرائية للاجراء تتمّ بصفة دورية (كل ثلاث سنوات) مراجعة الاجور في القطاعين العام والخاص وذلك منذ سنة 1990، وقد مكنت هذه الزيادات المتواصلة في الاجور من تحسين القدرة الشرائية للاجراء بقرابة نقطتين سنويا، ممّا ساهم بصفة ملحوظة في تحسين ظروف العيش وتدعيم مكانة ومكتسبات الطبقة الوسطى في المجتمع. وباعتبار الدور الهام للتحويلات الاجتماعية في تجسيم التضامن الوطني وتحقيق أهداف التنمية خاصّة في أبعادها الاجتماعية، تطورت هذه التحويلات لتبلغ حوالي 20% من الناتج المحلّي الاجمالي بعد أن كانت لا تتجاوز 11% خلال السبعينات و17% في بداية الثمانينات. وهو ما ساهم بشكل كبير في تحقيق جلّ الاهداف المرسومة في المجال الاجتماعي، بالرغم من صعوبات الظرف الاقتصادي الوطني والدولي وتقلباته. وكان لهذا الشأن الانعكاس الايجابي على المحافظة على النسبة العالية من الفئة المتوسطة في تركيبة المجتمع التونسي، باعتبار أنّ التحويلات الاجتماعية تضاهي دخلا إضافيا غير مباشر للاسرة. ومن المظاهر الاخرى الدالة على اتساع قاعدة الطبقة الوسطى هو تحسّن كلّ مؤشرات الرفاه وظروف العيش والسكن، والتي تؤكّدها نتائج التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2004 والتقارير المختصة والتقييمات التي تنجزها هيئات وطنية أو دولية تعمل في المجالات التنموية والاجتماعية والاقتصادية. اشكالية التداين لكن ومع تطور الطبقة الوسطى ورقي مستواها المعيشي والاجتماعي،ظهرت صلب هذه الشريحة الاجتماعية مشكلة التداين الاسري، حيث تشير ارقام البنك المركزي التونسي ان نسبة التداين الاسري ارتفعت الى 7.3 مليار دينار سنة 2008 بعدما كانت في حدود 3 مليار دينار سنة 2003 تمثل منها نسبة القروض الشخصية الخاصة بالعطل والدارسة ولوازم البيت 28%. وتشير أرقام سجلّ قروض الاشخاص الطبيعيين الذي يديره البنك المركزي التونسي إلى أنّ قروض الخواصّ الممنوحة من قبَل الجهاز المصرفي تبلغ 7.455 ملايين دينار في موفى مارس 2009، منها 5.217 ملايين دينار أسندت لتمويل السكن، أي أنّ قروض الاستهلاك لا تتعدّى 2.238 مليون دينار ولا تمثل سوى 5.6% من حجم القروض الممنوحة للاقتصاد. وجاء في نتائج استبيان أجرته مجلة "المستهلك التونسي" استهدف عينة تضم 700 شخص أن 85,3% من المستجوبين سبق لهم أن تداينوا وأن 39,4% اقترضوا على الاقل 3 مرات وأن البنك يبقى المصدر الاساسي للاقتراض بنسبة 77,7% مقابل 32.3% اقترضوا من صديق أو قريب. ويمثل شراء مسكن السبب الاساسي للاقتراض بنسبة 49,1%. وفي ضوء ما تقدّم بات من الضروري توفير الوسائل التي من شأنها الوقاية من المخاطر المرتبطة بالتداين المفرط ومراقبة تطوّره والحدّ من انتشاره حتى لا ينعكس سلبا على الاقتصاد والمجتمع، لذلك تمّ بمقتضى القانون عدد37 لسنة 2000 تنقيح القانون عدد 90 لسنة 1958 المتعلق بإنشاء وتنظيم البنك المركزي التونسي في اتجاه تكليفه بمسك سجلّ وإدارته يتولى تجميع القروض غير المهنيّة الممنوحة للاشخاص الطبيعيين من قبَل مؤسّسات القرض والتجار الذين يتعاطون البيوعات بالتقسيط ويمكّن هذه المؤسّسات من الاطلاع على حجم تداين حرفائها والمبالغ المتخلدة بذمّتهم قصد مساعدتها على تقييم قدراتهم على تسديد ديونهم واتخاذ القرار المناسب عند دراسة المطالب المتعلقة بمنحهم قروضا جديدة. وتبقى الطبقة الوسطى في تونس قريبة من الطبقة الغنية من حيث الرفاه وطيب العيش رغم مشكل التداين والاقتراض وهو وسيلة لا مفر منها بل أنها تساعد على التطور والنمو والاقتراض ليس حكرا على الاشخاص الطبيعيين بل ان الاشخاص المعنويين كذلك كالدول والمؤسسات العمومية والشركات الخاصة تلجا له لتصريف امورها ولتحقيق النمو والتطور. وقد صدرت أمس عن الورشات الثلاث التي تمخضت عن الجامعة الصيفية للتجمع تقارير ستجمع في تقرير واحد يقدم قراءة واقتراحات حول واقع الطبقة الوسطى وسبل تنميتها اكثر.ويقدم التقريرللمكتب السياسي للتجمع ليكون ورقة عمل المرحلة القادمة.