تونس الصباح: هناك مصطلحات مثيرة جدّا في حياتنا الثقافيّة التّونسيّة، لعلّ أهمّها مصطلح «الموسم الثقافيّ»... كأنّ الثقافة لها موسم اداري يفتتح في شهر سبتمبر في العادة وينتهي مع انطلاق فصل الصّيف حين تبتدئ المهرجانات الصّيفيّة. كأنّ المهرجانات لا علاقة لها بالثّقافة، وكأنّ العمل الثقافيّ مرتبط بالسنة الدّراسيّة أو بالموازنات الماليّة، والحال أنّه فعل دؤوب يرفض أن ينضبط لتوقيت المواسم والمواقيت الإداريّة .. هل يتوقّف الكتّاب في الصّيف عن الكتابة ..هل لهم عطلة كبقيّة خلق الله من الموظّفين والعاملين والمديرين؟؟؟ أم هم بشر من طينة خاصّة لا يرتاحون أبدا؟؟؟ حول هذا السّؤال فتحت «الصباح» الملفّ واتّصلت بمجموعة من الكتّاب التّونسيّين من مختلف الحساسيّات والأجيال لتسألهم عن مشاريعهم وعمّا هم بصدد كتابته رغم هذا الصّيف القائظ وإغراءات الاسترخاء على الشّطآن .. عبد القادر بلحاج نصر والإحباط في الصّحراء د. عبد القادر بلحاج نصر صرّح لنا أنّه لا مشروع يشتغل عليه الآن فهو يشعر بإحباط عميق نتيجة عدم إنتاج التلفزة التّونسيّة لمسلسلين كان كتبهما، وكان ينتظر أن يمرّا للإنجاز .. لكن تجري التلفزة بما لا يشتهي كتّاب السّيناريو .. عبد القادر بلحاج نصر يقول إنّها أوّل صائفة يرتاح فيها ولا يكتب وفي المقابل اختار أن يرتاح في مكان صحراويّ كما قال هو.. لعلّها محاولة منه أن يخرج عن السّرب فالكلّ يتّجه الآن صوب البحر .. حسونة المصباحي: الحكاية العربيّة في ألمانيا الكاتب والرّوائيّ حسونة المصباحي أحد أغزر الكتّاب التّونسيّين، يعسر أن تلاقيه دون أن يحدّثك عن آخر ما كتب وعن مشروع يدور في رأسه أو مرّ إلى الورق ..المصباحي مستقرّ منذ أسبوع تقريبا في ألمانيا وستتواصل إقامته لمدّة ثلاثة أشهر تقريبا وهو الذي خبر ذاك البلد .. تغيير المكان لم يغيّر شيئا في عادات حسونة فها هو يراجع مجموعته القصصيّة القادمة والتي خصّ الصباح بعنوانها «عائشة السّوداء».. عائشة السّوداء ستعود مع حسونة إلى تونس وقد تسبقه لتظهر في شهر أكتوبر في واجهة المكتبات.. حياة الرّايس وصائفة أثينا لن تكون القصّاصة والشّاعرة حياة الرّايس في اليونان... «أثينا» هو عنوان المسرحيّة التي تنكبّ على كتابتها رغم الحرارة ..ابتسمت حين سمعت سؤالنا حول راحتها الصّيفيّة.. قالت إنّها تقريبا لم تر البحر فهي بالتوازي مع كتابة المسرحيّة تضع اللّمسات الأخيرة لمجموعتها الشعريّة وهي متردّدة بين عنوانين ستطلق أحدهما عليها.. «إعدام شهرزاد» أو «يسهر مصلوبا على شفتي».. محمّد علي اليوسفي وأسرار الكتابة محمّد علي اليوسفي واحد من قلّة قليلة في تونس احترفوا الكتابة.. الكتابة لديه مهنة لا علاقة لها بالصّيف ولا بالمواسم فهي عمل يوميّ ومهنة .. بعد خمسة وعشرين كتابا تقريبا في الرّواية والشعر والنّقد والتّرجمة ..يقول محمّد علي اليوسفي إنّه منكبّ على عمل روائيّ منذ سنتين وها هو يغطس فيه عوضا عن الغطس في البحر.. كاتبنا رفض أن يمدّنا بعنوان روايته الجديدة ونحن نقدّر ميله لستر مشاريعه في انتظار ظهورها في واجهات المكتبات .. يوسف عبد العاطي وصيف «الرهدانة» الرّوائيّ يوسف عبد العاطي تعجّب من وجود موسم للكتابة وموسم للرّاحة والاستجمام ..يقول إنّ الكتابة لديه تفرض نفسها ولا يبرمج عطلته أو استراحته فتلك حسب رأيه مسألة مرتبطة بالوظيفة في حين أنّ الكتابة مسألة وجوديّة وحالة حياتيّة .. يوسف وبعد آخر أعماله رواية «ريح الوقت» منكبّ الآن على الصياغة النّهائيّة لرواية جديدة يفترض أن تكون بين يدي القارئ أواخر شهر أكتوبر أمّا عنوانها فقد تحرّج من ذكره لكن بإصرارنا انتزعناه منه.. «سالمة الرّهدانة».. في انتظار الشتاء نحن نترقّب حكاية سالمة ... حسنين بن عمّو بين الرّواية واللّوحة بعد «رحمانة» و«حجّام سوق البلاط» و«ابن خلدون».. ها هو يواصل النّحت في نفس المشروع الذي يستمدّ مادّته الأوليّة من التّاريخ ليعيد تشكيله تخييليّا ..للصّباح السّبق في إعلان العمل الرّوائيّ الآتي لحسنين بن عمّو الذي سيحمل عنوان «الخلخال».. يقول بن عمّو إنّها رواية من الحجم الكبير نسبيّا كعادته (300 ص تقريبا) وهي من نوع الفنطازيا التّاريخيّة أي تستلهم التّاريخ دون أن تلتزم به.. حسنين بن عمّو لن يذهب للبحر هذه الصّائفة بل سيعوم في الألوان فبعد ثلاثين عاما ها هو يضع آخر «روتوشاته» على اللّوحات التي سيقدّمها في معرض خاصّ قريبا .. حكيم المرزوقي سباحة المهاجر في جبل «قاسيون» حكيم المرزوقي لمن لا يعرفه كاتب ومسرحيّ مهاجر، مستقرّ منذ أكثر من عقدين في دمشق ..يترقّب الجمهور مسرحيّاته التي يكتبها ويخرجها بنفسه ..الصباح سألته عن أعماله التي في طور الإنجاز فأفاد أنّه مستمتع بنجاح عمله المسرحيّ الأخير «بساط الأحمدي» وهو مصطلح يقصد به الإخوة في الشّرق فلنتحاسب ونتصارح ..لكن مع فرحته بالنّجاح هو منكبّ حاليّا على كتابة مونودراما جديدة الأرجح أن يكون عنوانها «ديجة» وهو تصغير لاسم خديجة.. حكيم لم يذهب للبحر بل هو غالبا على سفح جبل «قاسيون» الذي يطلّ على مشارف مدينة دمشق . ولأنّنا أردنا أن ننوّع تجارب المستجوبين وأجيالهم فقد سعينا إلى طرح نفس السّؤال على كاتبين من الجيل الجديد .. وليد سليمان ورحلة الشتاء والصّيف وليد سليمان كاتب ومترجم وصاحب دار نشر ..صدرت له في السنة الماضية ترجمة مختارات من كتابات «يوسّا» تحت عنوان «فرغاس يوسّا ..الكتابة الإيروسيّة».. وكان قبلها قد أصدر مجموعته القصصيّة الأولى «ساعة إنشتاين الأخيرة».. حول راحته الصّيفيّة، قال إنّه يسكن أمام البحر لذلك لا يحتاج إلى عطلة ..يفضّل أن تكون عطلته شتائيّة فقد سافر في أواخر الشتاء الماضي إلى روسيا وأكرانيا خصوصا أنّ زوجته أوكرانيّة الجنسيّة ..في الصّيف هو بصدد تحويل مادّة السّفرة إلى كتاب في أدب الرّحلة . منير الرقّي والصّيف الشّعريّ عرفناه روائيّا حصل على جائزة الكومار بإصداره الأوّل «خدعة العصر».. صيفه في مدينته الجنوبيّة لا راحة فيه فهو يكتب الآن بالتّوازي رواية تدور حول فترة التّحرّر الوطنيّ التّونسيّ ومجموعة شعريّة يحاول من خلالها الخروج عن صرامة الكتابة الرّوائيّة ... في نهاية هذا الإستجواب يمكن القول إنّ الكتّاب الذين استجوبناهم عموما أقرّوا بأنّهم لا يرتاحون طيلة السّنة.. ومع ذلك فإنّ الملاحظة العامّة أنّ التّونسيّين مقلّون ومدوّناتهم غالبا غير متّسعة مقارنة بالكتّاب المشارقة الذين يصدرون بشكل منتظم وسريع كتبهم ..فما سبب هذه المفارقة العجيبة؟ هل إنّ الإجابات كان فيها الكثير من المبالغة في الحديث عن المشاريع، أم إنّ السبب هو بطء الكاتب التّونسيّ في الإنجاز أو أنّ المسألة مرتبطة بحركيّة الطّباعة والنّشر حيث تتوفّر المخطوطات لكنّها تتعطّل في الوصول إلى القارئ؟؟؟ أسئلة تحتاج إلى متابعة أشمل .. المهمّ أنّ كتّابنا لا يعترفون بالعطلة الصّيفيّة فكلّهم منكبّون على مشاريع جديدة لذلك تبدو السنة المقبلة واعدة ستشهد طفرة في العناوين والأعمال ..ونحن في الانتظار