تونس الصباح اكوام من فضلات المنازل ومواد البناء نثرت هنا وهناك على رقعة من ارض بيضاء لم تتذوق بعد كيمياء الاسمنت ولا صلابة اعمدة الحديد، لتجد فيها الكلاب السائبة مسكنا هجره الناس لما تنبعث منه من روائح كريهة ولما تتدفق منه من قوارض هددت راحة المتساكنين. هي اراض مهملة دون عنوان تنتزع بالقوة مكانا استراتيجيا من المشهد العمراني بالعاصمة الذي يحتاج لكل شبر لتشيد وتدعيم المؤسسات التنموية للبلاد لتشوه المشهد العام للعاصمة باستعمالاتها السيئة سواء كمصبات للفضلات او مقرا للمنحرفين. اراض تحولت بين عشية وضحاها الى مناطق سوداء اقلقت مضجع المتساكنين واربكت رزنامة تدخلات البلدية. «لا اجد راحتي في منزلي الذي لا ارتاده الا مدة وجيزة 3 اشهر من فصل الصيف موعد عودتي لارض الوطن بحكم تحول المنزل الى ممر ونقطة عبور القوارض كبيرة الحجم الوافدة علينا من مصب الفضلات الواقع قبالة منزلي والذي هو عبارة عن قطعة ارض مهملة تداولت فضلات متساكني الحي عليها لتتحول الى جبال من الفضلات». بهذه الكلمات تحدثت الينا احدى متساكني منطقة الوردية عن معاناتها التي اجبرتها على اغلاق منافذ المنزل والعيش في ظلام دامس ليلا نهار مخافة ان تجتاح القوارض المنزل. نفس الوضعية يشتكى منها جيرانها الذين تحملوا اعباء وضغط نفسي كبير جراء تهاون صاحب قطعة الارض بتسييجها ليتركها فضاء خصبا للفضلات ومثل هذا الجار كثيرون لانهم في الاغلب يظهرون مبررات واهية ترتكز اساسا حول عدم قدرتهم على تسديد مصاريف التسييج لكن الاكيد ان اصحاب هذه الاراضي وجدوا في تركها مهملة عاملا مساعدا لترتفع قيمتها العقارية. قبل اعتماد القرار الرئاسي جوان 2007 القاضي بتسييج الاراضي البيضاء كان عددها ببلدية تونس 730 قطعة ارض موزعة كالاتي 670 قطعة مهملة من املاك الخواص و60 على ملك بعض المؤسسات العمومية والشبه العمومية. وبعد مرور عام تقريبا من صدور القرار الرئاسي تم تسييج 420 قطعة ارض من قبل اصحابها المالكين للرسم العقاري وتسييج 60 بصفة اجبارية من قبل البلدية. نتائج يعتبرها السيد مجدي الهنتاتي كاهية التنظيف بودادية الوردية هامة لانه تم القضاء على 3/2 المساحات المهمة في العاصمة والتي تحولت مع الزمن الى نقاط سوداء ضايقت المتساكنين وشوهت المظهر العام للعاصمة. ويؤكد في نفس الصدد السيد مجدي الهنتاتي ان الاشكالية القانونية للاراضي البيضاء تتلخص في معطيين اساسيين اشكالية ورثة وعقلية اصحاب هذه الاراضي التي تبحث عن الربح على حساب سلامة المحيط والمتساكنين. علما وان في حالة مماطلة مالك العقار وتهاونه في تسييج الارض تتكفل البلدية بتنظيف النقطة السوداء والزام المالك باستخلاص الاداءات ومصاريف التنظيف التي تظل في عهدته تحول دون التصرف في الارض بالبيع ما لم يسدد ما بذمته من دين. هشاشة التسييج افرزت مظاهر جديدة تدخلات البلدية في عملية تسييج للاراضي البيضاء او السهر على متابعة ما بعد التسييج يتعهد بها المجلس البلدي بصفة دورية لكن يبدو ان الوضع لم يتطور الى الافضل لان عملية التسييج تتم عن طريق ألواح خشبية او ألواح اشهارية لا تحول دون تسرب الاياد التخريبية للنيل منها فهشاشة الية التسييج سمحت لاصحاب النفوس الانتهازية استغلال هذه الفضاءات حيث تم رفع هذه الحواجز والاستحواذ على الاراضي واستغلالها كمآوي للسيارات او يتخذها البعض كوكر للعربدة والانحلال الاخلاقي. لذلك فان الاطراف المسؤولة في العمل البلدي تعول كثيرا على تعاون المواطن معها سواء صاحب العقار الذي يصعب التعرف عليه بحكم ان اغلبهم متواجدون بالخارج او الاجوار من خلال اتباع سلوك حضاري مرن في التخلص من الفضلات مع العلم ان البلدية تمنح لاصحاب هذه الاراضي مهلة شهر لاتمام عملية التسييج بعد المرور بعملية الابلاغ سواء بالاتصال المباشر مع المعني بالامر او عبر وسائل الاعلام حتى يتم حصر الظاهرة وتسرباتها الخطيرة على المجتمع والمحيط. ولا تخص هذه الاوضاع الرثة الاراضي الخاصة فقط فالامر يشمل اراضي المؤسسات العمومية وشبه العمومية. رغم ان نسبتها ضئيلة مقارنة بالاراضي الخاصة فان الامر يتخذ حجما وبعدا اخرا لانها من المفروض ان تحظى هذه العقارات بعناية اضافية لدى مؤسسات الدولة التي من مشمولياتها الحفاظ على الصالح العام للدولة.