برغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع عن قرار الهيئة الادارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل، عن موقفها من الانتخابات الرئاسية والتشريعية، المقررة ليوم 25 أكتوبر 2009 القادم. والمتمثل في المساندة المطلقة وبأغلبية الأصوات لترشح الرئيس زين العابدين بن علي لفترة رئاسية جديدة، وترك حرية اختيار المشاركة في التشريعية للنقابيين، تتواصل تفاعلات هذا القرار، الذي شغل ومايزال حيزا كبيرا من نقاشات المهتمين بالشأن السياسي في تونس. مع حلول كل موعد انتخابي سواء كان رئاسية أو تشريعية او بلدية. تتطلع النخب والناشطون السياسيون في تونس، لمعرفة موقف المنظمة الشغيلة، من خلال طرح جملة من التساؤلات والفرضيات حول طريقة مشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل. فما هي أسباب وخلفيات كل هذا الاهتمام؟ إن الاجابة عن مثل هذه التساؤلات، لا يمكن النظر إليها في ارتباطها المباشر بالحدث الانتخابي المرتقب. بل تتجاوزه الى موقع ومكانة الاتحاد في الحياة السياسية، وذلك بالنظر الى الثقل او الوزن الذي يمثله في الحقل والممارسة السياسية الوطنية. كما أن التعاطي معه، يجب ان يستحضر العلاقة التاريخية التي ربطت الاتحاد العام التونسي للشغل بالشأن العام، من مرحلة الحركة الوطنية الى بناء الدولة الوطنية. وبهذا فإن إثارة طبيعة مشاركة الاتحاد في الانتخابات ليست أمرا جديدا او «بدعة» بل هي تتوافق وعلاقة هذا الهيكل بالحياة السياسة في تونس. إن التساؤل حول كيفية مشاركة المنظمة الشغيلة في الانتخابات أملتها السياسة الجديدة التي بدأ يسلكها الاتحاد خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في علاقته بالسلطة، وقد عرفت هذه الفترة بروز مفاهيم سياسية ونقابية جديدة، تقطع مع ما سبقها، تصور يجمع بين البراغماتية النقابية القائمة على المطلبية، وبين الفهم العقلاني للتحولات وموقع الطبقة الشغيلة فيها. فتم استبعاد منطق المعارضة والاحتجاج المطلق، وبالتالي المواجهة والصدام، بأسلوب ومنهج عمل يقدم الحوار ومصلحة المؤسسة وكذلك الحفاظ على مناخ الاستقرار الاجتماعي والسياسي. على قاعدة هذه الأرضية ثم تأطير الحوار والجدل النقابي والسياسي في أروقة ساحة محمد علي حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية فبإعلان الهيئة الادارية الأخيرة عن مساندتها للرئيس زين العابدين بن علي، تكون المنظمة الشغيلة قد انتصرت الى خيار الاستقرار الاجتماعي، الذي تحقق بفضل المكاسب التي حصدها الشغالون وكل فئات المجتمع خلال كامل سنوات التحول، كما انه يعبر عن خيار مبدئى في «مواصلة دعم برامج الاصلاح التي يقودها رئيس الدولة وبخاصة حرصه على ضمان التوازن الاجتماعي وتعزيز المسار الديمقراطي في إطار مجتمع مزدهر ومتضامن..» مثلما ورد في البيان الصادر عن الهيئة الادارية الوطنية الأخيرة. كما أن موقف القيادة النقابية من الانتخابات التشريعية، والداعى الى ترك حرية المشاركة للنقابيين، بصفة شخصية كل حسب ميولاته الفكرية والحزبية ينسجم مع ارادتها في تجنب اجواء التنافس بين الأحزاب السياسية، واختيار أن تكون طرفا معدلا ووفاقيا. ولعل تعيين السيد محمد شندول، عضو المكتب التنفيذي في عضوية المرصد الوطني للإنتخابات، أرادت من خلاله القيادة النقابية، التأكيد على استقلاليتها في التشريعية، والبقاء في موقع الراصد والمتابع.