الانطباع الذي فرضه نيكولا ساركوزي حتى قبل دخوله الاليزيه هو انه شخصية مشاكسة ومثيرة للجدل اينما حلت وهو انطباع لا يبدو انه يزعج الرئيس الفرنسي الذي يبدو حريصا على ان يكون حاضرا في الفضاءات الاعلامية ولذلك فانه عندما يكون ساركوزي في قصر الرئاسة او في اجازة عائلية فان اخباره وتصريحاته وصوره لا يمكن ان تمر دون اثارة الانتباه او دون ان تفرض جدلا في مختلف الاوساط الديبلوماسية والاعلامية. وكما اثار ساركوزي عاصفة اعلامية خلال الاحداث الدموية التي اهتزت لها الاحياء الباريسية عندما وصف تلك الفئة من الشباب الثائرين بالرعاع فقد اثارت صوره الغاضبة من المصورين الامريكيين الذين لاحقوه بعدساتهم في مقر اصطيافه بنيوهامشي زوبعة قد لا تهدا قريبا حول اسباب اختياره الولاياتالمتحدة لقضاء عطلته الصيفية على غير عادة الرؤساء الفرنسيين الذين يتمتعون بقصور صيفية للاصطياف يحسدون عليها... ولا شك انه باختياره قضاء عطلته الصيفية في بحيرة ويبسيكو بولاية نيوهامشير الامريكية مقر اصطياف اثرى اثرياء العالم ونجوم هوليود فقد اختار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان يكون محور اهتمام الصحافة الفرنسية والدولية في هذا الصيف نظرا لما يمكن ان يثيره مثل هذا القرار من تساؤلات وردود فعل في صفوف المعارضة الفرنسية كما في صفوف الراي العام الفرنسي فحياة الرؤساء في الغرب ليست بالامر الخاص واذا كانت المجتمعات الغربية تعتبر انه من حق اي رئيس ان يتمتع باجازة صيفية كسائر البشر فان نفس هذه المجتمعات تعتبر انه من حقها ان تلم بكل التفاصيل المتعلقة بهذا الامر وهو ما حدث بالنسبة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي وجد نفسه مضطرا لقطع عطلته مؤقتا والرد وهو على بعد ستة آلاف كيلومتر من باريس على ما اثارته رحلته الامريكية من انتقادات من جانب الاحزاب المعارضة التي تساءلت عمن يتحمل تكاليف الرحلة ونفقات المنزل المخصص لاقامة ساركوزي وعائلته والذي تتجاوز اجرته العشرين الف يورو اسبوعيا ليكشف ساركوزي بان صديقا للعائلته تولى دعوته لقضاء العطلة في امريكا واكتشاف الحياة الامريكية على حقيقتها... لقد جاءت رحلة ساركوزي الى امريكا لقضاء عطلته الصيفية بعد اقل من ثلاثة اشهر على انتخابه رئيسا لتكشف ان غرامه بهذا البلد لاحدود له وهو لا يتوقف عند حدود الاقتداء بالرؤساء الامريكيين في ممارسته اليومية للرياضة في شوراع العاصمة الفرنسية باريس او كذلك في تنظيم حملته الانتخابية الرئاسية على الطريقة الامريكية واللجوء الى خبراء امريكيين في هذا الشان ولكنها تمتد ايضا الى ما هو اكبر ولاسيما في البحث عن دور اكثر تاثيرا لفرنسا على الساحة الدولية وهو ما جعل ساركوزي يطير في نفس اليوم الذي تم تنصيبه فيه رئيسا الى المانيا للمشاركة في القمة الاوروبية في ماي الماضي ويبدا مباشرة بعد ذلك جولة افريقية جدد من خلالها تمسك بلاده بعلاقات متينة مع مستعمراتها السابقة ورغبة واضحة في اعادة تفعيل الشراكة الاورومتوسطية واقامة اتحاد اورومتوسطي. وقد استطاع ساركوزي ان يقطف اول ثمار تحركاته السياسية في طرابلس بوضع حد لازمة الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني التي استمرت سنوات طويلة ويخطف بذلك اول انتصار له امام دول الاتحاد الاوروبي برغم ما اثارته القضية من جدل لا يزال مستمرا في فرنسا حول الصفقة التي عقدها ساركوزي في ليبيا وحول حقيقة المشروع النووي الفرنسي الليبي الذي كشفه نجل القذافي... على ان الواضح ان حرص ساركوزي على اعادة دفع العلاقات الامريكية الفرنسية لتتجاوز ما شابها من اختلافات وازمات بين واشنطن وباريس خلال الحرب الامريكية على العراق ليس بالامر الخفي ايضا على توجهات الرئيس الفرنسي الجديد الذي لم يشا انهاء عطلته المثيرة للجدل دون ان يتفرغ لاول لقاء مع نظيره الامريكي جورج بوش بكل ما يعنيه ذلك من تحولات في الاجندة الفرنسية في علاقاتها التقليدية مع حلفائها لاسيما في علاقتها بمسيرة السلام في الشرق الاوسط والمواقف التي طالما ارتبطت بالرئيس جاك شيراك صديق العرب كما تصفه الصحف الفرنسية... لقد اصبحت الرحلة الاستجمامية للرئيس ساركوزي محور اهتمام كبير للصحف الفرنسية التي تقتفي اثاره بصعوبة ولاشك ان انباء هذه الرحلة واسرارها العالقة ستظل موضوعا مثيرا للجدل امام الاصوات الفرنسية المرتفعة يوميا للمطالبة بتوخي المزيد من الشفافية والكشف عن هوية المضيف الكريم الذي تولى دعوة الرئيس الفرنسي وتحمل نفقات رحلته كاملة والاكثر من ذلك حسب النائب الاشتراكي جان غلافاني معرفة الثمن المطلوب او الطريقة التي سيتولى بمقتضاها ساركوزي رد الجميل وتقديم هدية مماثلة وتلك تبقى بالتاكيد احدى الخصوصيات الديبلوماسية المتعارف عليها في السر كما في العلن لخدمة المصالح الآنية او المستقبيلة بين القادة السياسيين واصحاب الثروات والمصالح...