لازالت التجاذبات على أشدها في إيران على خلفية نتائج الانتخابات الرئاسية المطعون فيها من قبل ما يسمى بالتيار الإصلاحي في إيران مما جعل صيفها أكثر سخونة مما عهده الإيرانيون. وجاءت أخيرا تصريحات المرشد الأعلى للثورة في إيران آية اللّه علي خامنئي لتزيد الأمر غموضا عندما قال أنه لا يعتبر القادة الإصلاحيين في إيران «عملاء لجهات أجنبية»، وهي المرة الأولى التي ينفي فيها خامنئي صفة «العمالة» عن قادة ما يسمى بالحركة الإصلاحية وهي الصفة التي ما فتئ يلصقها بهم الراديكاليون الذين فوجئوا فيما يبدو بتصريحات المرشد الأعلى وعلى رأسهم أحمدي نجاد الفائز بالانتخابات. الاعتقاد السائد لدى عدد من الملاحظين للشأن الإيراني أن تصريحات المرشد الأعلى في إيران تعتبر تحولا كبيرا في مجريات الوضع في إيران قد تكون الغاية منها محاولة امتصاص الغضب الشعبي المتفاقم في البلاد بسبب ما أشيع على نطاق واسع من تعرض العدد الكبير من أتباع التيار الإصلاحي إلى صنوف التعذيب وصل حد الإغتصاب ومازال عدد غير قليل منهم يقبع وراء القضبان وينتظرون محاكمات كان يتوقع لها أن تكون قاسية. وقد تكون التغييرات الأخيرة التي تولاها الرئيس نجاد في صفوف الأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة حيث نصّب الموالين له على رأس قياداتها قد ساهمت في التحول الذي طرأ على موقف المرشد الأعلى من داعم أساسي لصف المتشددين لمتفهم لحدّ ما لمواقف الإصلاحيين مما يؤشر بتموقع جديد لرموز النظام القائم في إيران وتحالفات طارئة. ولعل خامنئي يسعي من وراء تصريحاته ومواقفه الأخيرة إلى استعادة دوره و«مرشديته» التي ينص عليها الدستور الايراني والذي يجعل منه حكما فوق التيارات والخلافات السياسية الشيء الذي انحرف عنه المرشد الأعلى حينما انظم إلى التيارالمتشدد قبل الانتخابات الرئاسية وبعدها لما أقحمه مباشرة في الصراعات والتجاذبات وأنزله من «عليائه المرشدية». الفرضيات تبقى كلها قائمة بخصوص مستقبل الشأن الإيراني الذي سيحدده مدى اصرار الإصلاحيين ومن يقف وراءهم ويدعمهم إلى مواصلة الانتفاضة الشعبية التي امتدت على مدى قرابة الشهرين إلى حد اليوم فحكومة الإسلاميين في إيران تبدو اليوم بصفة لافتة منقسمة منهوكة ومنقوصة الشرعية الشعبية وتتجاذبها التيارات المتنازعة. ان هذا الوضع الذي نتابعه في إيران اليوم يذكرنا دون شك وإلى حد ما بما كانت عليه أوضاع إيران قبيل عودة الخميني سنة 1979 لكن إيران استفادت يومئذ من عدة مقومات للشرعية أساسها قدرتها على تصريف وادارة الشأن العام بدعم شعبي واسع وسلطتها الدينية الرسمية والتزامها الكامل باستقلالية إيران إلى جانب قاعدة تأييد ثابتة. السؤال هنا يكمن في مدى تطابق الوضع آنذاك مع الوضع اليوم للتكهن بما قد تخفيه الأيام القادمة لمجمل الأوضاع الإيرانية التي ستحدد بدورها وإلى حد كبير مستقبل المنطقة.