من المفارقات العجيبة في مجتمعنا، الشّغف بالإشاعة مهما ضعف سندها، وإهمال الحقيقة مهما كانت خطورتها، حتى وان أثبتها الدليل، ووقرت في القلب وصدّقها اللّسان. سويعات قليلة كانت كافية في أواخر شهر أفريل الماضي لتسري إشاعة خطف الأطفال في البلاد شرقها وغربها، جنوبها وشمالها ولتتحوّل في ظرف أسبوع واحد إلى خطر محدق، يعزّزه غياب المعلومة الصحيحة. وقد تبنّى الجميع الإشاعة رغم ضعف مصدرها، (ثبت لاحقا أنّه بضعة أسطر على الأنترنيت). وتفنّنت بعض العائلات في اتخاذ ما لزم وما لا يلزم من الاحتياطات توقّيا من شرّ «غول الصغار» الذي يختطفهم ويبيع أعضاءهم... وكان الأمر على قدر من الجديّة تطلب تدخل أجهزة الدولة لإخماد حالة الهلع التي انتشرت في صفوف العائلات. وبالتوازي مع انطلاق هذه الإشاعة، بدأت في العالم بوادر وباء عالمي جديد يبدو أنّ الإنسانية لم تشهد له مثيلا، رغم مقارنته بالأنفلونزا الإسبانية التي انتشرت أوائل القرن الماضي، حيث أنّه للمرة الأولى في تاريخها، تشاهد الإنسانية الوباء ينتشر بسرعة غيرمسبوقة، خلافا لما شهدته من أوبئة تأتي بغتة وتختفي بغتة. وعلى الرغم من حالة الطوارئ القصوى التي أعلنتها منظمة الصحة العالمية والتحذيرات المتواصلة على المستويين العالمي والوطني، فإنّك لا تكاد تلمس في مجتمعنا، أدنى صدى «للأنفلونزا» أو لمخاطرها المحتملة، حتى أنّ إحدى المجلات المختصة في الصحة بتونس تحدّثت في عددها الأخير الصادر منذ أيام عن أطباق العيد، والختان، وتبييض الأسنان و«البرنزاج»... دون أن تجد في هذه المجلة المختصة لا "أنفلونزا" ولا هم يحزنون وكأنّ الوباء يستفحل في سكان المريخ (إن ثبت أن في المريخ من يسكنه). طبعا، نحن أبعد من أن ندعو إلى الإفراط في الحذر أو الذعر الذي قد يأتي بعكس ما نرجو. لكن أمام وباء ما فتئت الدولة تعدّ له ما استطاعت من «قوّة ومن رباط الخيل»، وتضافرت له جهود عديد الأطراف وفي مقدمتها الأجهزة الصحية، لا بدّ من وعي جماعي يساهم في الحدّ من المخاطر المحتملة للمرض، عبر التوعية من جهة والوقاية من جهة أخرى، حتى لا يتحوّل الوباء الذي اتخذت الدولة كل الإجراءات للحدّ من مخاطره الى «غول الصغار والكبار». ذلك أنّه، قبل أسابيع قليلة من الانتشار السريع المنتظر للفيروس، في العالم، فإنّ وعي المواطن هو الحاجز الأخير ضدّ تفشي الوباء إذا ما جاوز كل الحدود الوقائية التي وضعتها الأجهزة الصحية. فإذا كنا نجحنا في أن نتجنّب شرّ التهويل فلننجح في نشر وعي مسؤول يساهم في نشر سلوك وقائي رصين.