بعد نحو شهرين من الاعلان عن بوادر تفشي انفلونزا الخنازير بالمكسيك أقرت أمس المنظمة العالمية للصحة الترفيع في سلم انتشار المرض الى الدرجة السادسة، ما يعني اعلان فيروس «H1-N1» وباء عالميا في ضوء توسع انتشاره الجغرافي بعد ظهوره في عديد البلدان واجتياحه عديد القارات.. وهي المرة الاولى منذ سنة 1941 التي يرفع فيها الانذار الى هذا المستوى.. تونس الصباح: هذه المرحلة الجديدة من مراحل التعايش مع المرض وإن لا تعني بالضرورة أن الفيروس أصبح أكثر فتكا وخطورة، فانها في المقابل تستلزم التعاطي بحذر وحيطة أشمل وتستدعي تكثيفا دوليا للجهود وتنسيق أمتن للتعامل مع ما تقتضيه طبيعة الظرف.. الى جانب التعاطي التشاركي والجماعي صلب القطر الواحد حتى لا يقتصر التعامل مع الفيروس كملف صحي فحسب، بل لا بد من انخراط كافة القطاعات في مساعي وخطط للتوقي والمقاومة على اعتبار التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والانتاجية للفيروس في حال استفحال بؤر تمركزه بالبلد الواحد. طرح جديد هذا الطرح الجديد في التعامل مع المرض في مرحلته الراهنة أكده السيد علي القراوي مدير البرامج بمكتب تونس لمنظمة الصحة العالمية الذي واكب اجتماع اللجنة الوطنية المكلفة بمتابعة ورصد انفلونزا الخنازير منذ الاعلان عن اكتشاف الفيروس.. ويرى المتحدث أن التوجه الجديد يستند الى التفسير أو المفهوم العلمي لحالة الوباء كجائحة تسجل حضورها على أوسع نطاق جغرافي عالمي بعد تجاوز الظاهرة الحدود المحلية الضيقة. لا مبرر للفزع فهل للتصنيف الراهن للوباء ما يبرر تصعيد وتيرة الفزع وحدة المخاوف والانشغال، وماذا عن الآليات الأنجع لتوقي عدوى الفيروس؟ في معرض رده على استفسارات «الصباح» تعمد القراوي الفصل بين دواعي الحذر والانشغال السائد في صفوف العلماء والخبراء الدوليين وبين تلك التي قد تنتشر في صفوف المواطنين.. فبالنسبة للشريحة الاولى يعود الانشغال الى طبيعة الفيروس غير المعروف في صفوف أهل الاختصاص وبطبيعة الحال فإن مواجهة ضيف فيروسي جديد تستوجب حيطة أكبر وتطرح انشغالات متعددة. لا وجه للمقارنة وبالنسبة لعامة الناس، فالأمر مختلف ويدعو للفزع في هذه المرحلة الراهنة، لأن الفيروس لم يبرز بشكل أكثر حدة أو فتك من فيروسات «الفريب»، وعلى سبيل المثال انفلونزا الطيور تسببت في حالات وفاة أكبر في صفوف المصابين بها لا وجه للمقارنة بينها وبين انفلونزا الخنازير الى حد الآن، وذلك بعد أن تسببت انفلونزا الطيور منذ سنوات في وفاة ما بين 40 و50% من المصابين، فيما لم تتجاوز حدود المائة وفاة من مجموع يفوق 30 ألف اصابة بانفلونزا الخنازير.. ولهذا السبب تؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية بأن الخطر لا يكمن حاليا حدة خطورة الفيروس التي لا تختلف عن «الفريب» العادية، بل في سرعة تنقله وانتشاره عبر البلدان وكذلك في عدم تحديد شكل التطور الجيني للفيروس مستقبلا، هل سيكون بصفة عادية أم بأكثر حدة بالنظر لقدرة الفيروس على التحول والتطور؟.. لقاح ضد الفيروس وطمأن المتحدث بأن السيطرة على هذه الهواجس تعززها الامكانيات الجادة في ايجاد التلاقيح المضادة للفيروس والتي ستكون جاهزة مطلع الخريف القادم، معربا عن الأمل في أن يحافظ الفيروس على مكونات سلالته الجينية الحالية ولا يتجه نحو التطور حتى لا يراوغ تطلعات المخابر العاكفة حاليا على تطوير لقاح فعال ضد هذا المرض. مرحلة جديدة وبعد؟ وحول طبيعة التعاطي مع المرحلة الجديدة من انتشار المرض ومدى تقييم مكتب تونس لمنظمة الصحة العالمية للجهود المبذولة على الصعيد الوطني لتعزيز اجراءات الوقاية والتحسب لأي طارئ.. اعتبر علي الفراوي أن مجمل الاستعدادات المتخذة والمعتمدة حاليا في نطاق التوقي في المستوى باعتمادها على التحسيس والتوعية واتخاذ التدابير الوقائية اللازمة بنقاط العبور وتهيئة الفضاءات الصحية الخاصة بمتابعة الاصابات عند تسجيلها وتكوين الاطارات الطبية والأعوان.. الى جانب اليقظة المتواصلة للجنة المتابعة والترصد الحيني لتطورات الوضع الصحي العالمي.. على أن هذه الجهود في المرحلة الراهنة تبقى في نظر محدثنا في حاجة الى تعزيزها ودعمها من خلال حثّ بقية القطاعات على الانخراط الجاد في برنامج التصدي للمرض الذي لم يعد يقتصر على بعده الصحي على أهميته في ظل انتشار المرض في شكل وباء، وانما بات يستوجب تفاعل وتجند كافة القطاعات والتأهب لكل طارئ قد يحدث مستقبلا، لأن في انتشار الفيروس تعطيل للحياة الاقتصادية (غيابات عن العمل) وللحياة المدرسية.. وتبرز تداعياته على وتيرة الحياة اليومية وهو ما يفترض استعداد وتحسب كل وزارة أو قطاع لشتى التطورات القادمة منذ الان لمجابهة أية مخاطر... ...وللعائلة دور ولم يستثن مصدرنا دور العائلة في معاضدة جهود الوقاية بتوخيها سلوكيات تعامل سليم عند ظهور اصابات «فريب» داخل الوسط الأسري مهما كان نوع الفيروس بسيطا واحترام قواعد حفظ الصحة وهي سلوكيات عادية وبسيطة لأن نتائجها ايجابية وهامة.. كما أن تعزيز الوعي الصحي وتوخي سلوكيات تعامل رشيد صلب التجمعات بأماكن العمل أو بالفضاءات التي تشتد فيها الحرارة مسائل بديهية.. كسب المعركة وجدد محدثنا التأكيد أنه لا يوجد ما يستدعي الفزع أو الهلع حاليا لكن يبقى الحذر واجبا.. معلنا أن مستوى الاستعداد والتأهب لمواجهة الوباء سيكون حاسما في كسب المعركة.