تونس - الصباح: المنتج السينمائي، أحمد بهاء الدين عطية هذا الذي غادرنا منذ أيام ورحل رحيلا أبديا مخلفا - لا فقط - ذكرا طيبا بل وأيضا ارثا سينمائيا هاما متمثلا في مجموعة أفلام تونسية طويلة - ربما - شكل ظهورها منعرجا هاما وحاسما وحقيقيا في مسيرة السنيما التونسية... هذا السينمائي البارز بل والشجاع سيبقى بالتأكيد ذكره مرفوعا في أوساط السنيمائيين وأهل الثاقفة والابداع وذلك - لا فقط - لخصاله الانسانية التي عرف بها لدى كل من عرفه عن قرب وأهمها الوضوح في الاختيارات والثبات على المواقف بل وأيضا لمساهمته الكبيرة في الخروج بالانتاج السينمائي في توسن من ضيق البيروقراطية وعبوديتها الى رحابة المبادرة الخاصة وحريتها.. فما من شك بأن التاريخ سيسجل لأحمد بهاء الدين عطية أنه أشهر من غامر من التونسيين بماله وجهده ووقته وعرقه من أجل انتاج أفلام تونسية جديدة يرى فيها التونسي «ذاته» الاجتماعية على حقيقتها فكانت - على سبيل الذكر - سلسلة أفلام المخرج نوري بوزيد: «ريح السد» و«بزناس» و«صفائح ذهب» وقبلها كان شريط «عصفور سطح» لفريد بوغدير وشريط «صمت القصور» لمفيدة التلاتلي... وهي - تقريبا - مجموعة الأفلام التي يمكن أن يقال عنها بأنها غيّرت بالفعل وجه ووجهة السينما التونسية وجعلتها تبدو حرة في خطابها ومتمردة في صورتها. على أن اللافت في الامر هو هذه الشهرة الواسعة التي تحققت لأحمد بهاء الدين عطية بصفته منتجا لهذه الأفلام وفاق من خلالها حجم الشهرة التي تحققت حتى لمخرجيها أنفسهم... في حين أن العادة جرت أن يبقى اسم المنتج «ثانويا» لدى الجمهور والنقاد مقارنة ببروز اسم المخرج خاصة عندما ينجح الشريط تجاريا وفنيا. والواقع، أن هذه «المسألة» تبدو مفهومة خاصة لدى المتتبعين والمهتمين ذلك أن الراحل أحمد بهاء الدين عطية لم يكن «يلعب» فقط دور المنتج في سلسلة الأفلام التي أنتجها بل كان يحرص على الاضطلاع بواجباته والتزاماته الادبية كاملة تجاه الفيلم... فكان كثيرا ما يحرص - مثلا - على أن يكون هو «الناطق» باسم الفيلم في المحافل السينمائية والاعلامية في الداخل والخارج وهذا ليس حبا في الظهور بقدر ما هو عنوان شجاعة أدبية منه لأنه - رحمه اللّه - كان يعتبر نفسه طرفا أساسيا عليه أن يتحمل المسؤولية كاملة فيها يروج له الفيلم من خطاب ثقافي أو من مواقف ايديولوجية أو عقائدية... فأحمد بهاء الدين عطية وهو ينتج سلسلة الافلام التي أنتجها لم يكن «يستثمر» في السينما بالمعنى الاقتصادي الجبان والنفعي للكلمة بقدر ما كان يمارس دورا ثقافيا وتنويريا بل وثوريا - من جهة نظره طبعا - من خلال فن السينما التي أحبها وأفنى فيها العمر. لذلك قد يصح القول وبكثير من الاطمئنان بأن هذا الرجل قد خسرته - لا فقط - السينما التونسية بل وكذلك العربية والافريقية خاصة في ظل موجة أفلام المقاولات التي أصبحت الأكثر انتاجا حتى في السينما المصرية العريقة التي تحتفل هذا العام بمائوية ظهورها. أيضا، ومن دلائل التوجهات السياسية والثقافية والحضارية والانسانية في عملية الممارسة السنيمائية عند أحمد بهاء الدين عطية أنه - رحمه اللّه - رحل وفي نفسه مشروع فيلم عن الزعيم الحبيب بوقريبة لم يسعفه القدر بفرصة انتاجه... فهل كان ينوي من خلاله «تصفية بعض الحسابات السياسية» مع فترة تجربة حكم النظام البورقيبي باعتباره (أحمد عطية) ينتمي الى جيل يساري طالما عارض التوجهات السياسية لهذا النظام خاصة على مستوى مسألة الحريات والتعددية السياسية أم أنه كان يريد توجيه «تحية سينمائية» لهذا الزعيم المستنير الذي طبع مرحلة هامة من التاريخ الحديث لبلادنا..؟ بقيت كلمة أخيرة لا بد من أن نتوجه بها لأولئك المخرجين الذين تنكروا لهذا السينمائي الشجاع والمناضل بعد ان عملوا معه واستفادوا من تجربته نقول لهم: نحن ولئن كنا نستهجن «انقلابكم» عليه فاننا بالمقابل «نتفهم» موقفكم فالرجل - رحمه اللّه - كان متفوقا وأنيقا في كل شيء ومن حقكم أن تغاروا منه!