إلى أين تجه أزمة الشرق الأوسط بعد فشل جهود عدة أشهر من الرحلات المكوكية التي قام بها جورج ميتشل إلى الشرق الأوسط منذ تعيينه كمبعوث خاص للسلام في إدارة الرئيس باراك أوباما.؟ فبالرغم من بدايات تعتبر جيدة حتى شهر مارس من هذه السنة، فإن تلك «الرحلات المماراطونية» لم تتوصل إلى تحقيق أدنى أهدافها وهي عقد قمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تكون بمثابة قاعدة صلبة لبدء مسار سلام جديد. ويبدو أن السيد ميتشل لم يكن يدرك أن النجاح الذي حققه في إرساء السلام بين الفرقاء الإيرلنديين في بلفاست لا يمكن إدراكه في هذه المنطقة، خاصة وأن السيد ميتشل اصطدم منذ شهر مارس بحكومة يمينية إسرائيلية متطرفة وصلت إلى الحكم من خلال طرح ورقة الاستيطان كأمر واقع وتقويض فرص السلام بضم القدس في مرحلة أولى والتوسع في الضفة الغربية أو كما تذكره أدبيات السياسة الإسرائيلية الصهيونية «أرض يهودا وسامرة» لم يستطع السيد ميتشل حتي عندما وضع على الطاولة ورقة «النووي الإيراني» أن يوقف زحف المستوطنات على «أشلاء» ما تبقى من الضفة الغربية التي كان من المتوقع أن تكون مساحة لدولة فلسطينية. لقد كان من السهل في إيرلندا التوصل إلى سلام لأن على جانبي المواجهة وجد إيرلنديون، وكان ممكنا إدراك السلام في الفيتنام كذلك لأن على طرفي الصراع فيتناميون سواء أكانوا جنوبيين أو شماليين. أما المشكل في الشرق الأوسط فيقع بين طرفي صراع متناقضين ومتنافرين وغير متجانسين، صراع بين شعب سلبت أرضه ومغتصبين افتكوها بدعم من القوى الدولية. إن عملية «الجراحة السياسية» التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى اجرائها لا يمكن أن تنجح «فالجراحة» اصطدمت منذ بدايتها بممانعة كبيرة من التطرف اليميني الاسرائيلي المتغلغل في «جسم فسلطين» منذ سنة 1948، فعملية الجراحة الأمريكية التي أراد اجراءها ميتشل اصطدمت بعدم استجابة حكومة بنيامين ناتنياهو لنداءات إيقاف الاستيطان، إن «جراحة» السلام في هذه المنطقة يجب أن تتوفر فيها 3 شروط: القدس والحدود واللاجئين. ومن هنا فإن «الجراحة» لا يمكن أن تبدأ لأن القدس ضمت بالكامل وأحسن دليل على ذلك طرد ست عائلات من حي الشيخ الجراح بالقدس القديمة في انتظار تهويده بالكامل وقطع المدينة المقدسة عن محيطها الفلسطيني مع الضفة، وكذلك فإن حدود الدولة الفلسطينية الموعودة وئدت لأن الحدود المشترطة والمتفق عليها من كافة الأطراف هي حدود ما قبل 5 جوان 1967. إن جهود السلام الأمريكية ومحاولات جورج ميتشل التوصل إلى جراحة تجميلية تحفظ ماء الوجه للديبلوماسية الأمريكية فشلت إلى حد الآن. وحتى الوقوف أمام عدسات الكاميرا والمصافحة الباردة وبين عباس وناتنياهو لن تغير في الوضع المأساوي شيئا. ولا بد للإدارة الأمريكية أن تفكر في طرق جديدة تستطيع من خلالها «تخدير فيروس» التطرف اليميني الإسرائيلي قبل البدء في التفكير في ارساء «جراحة» جديدة ل«زرع» السلام.