بدأت احتمالات اجراء جولة انتخابية ثانية تتجه لفرض نفسها على ارض الواقع في افغانستان، بلد المتناقضات الصارخة بكل ألوانها السياسية والاجتماعية، وغيرها بعد الاتهامات الصريحة التي اطلقها المبعوث الاممي بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس الافغاني قرضاي وذلك بعد اكثر من شهر كان فيها الغموض سيد الموقف، بما يمكن اعتباره مصدر انشغال اضافي وهاجس آخر يضاف الى قائمة الهواجس التي تشغل ادارة الرئيس اوباما التي راهنت على نتائج هذه الانتخابات علها تكون طوق النجاة من المستنقع الافغاني، الكابوس الاسوأ الذي يلاحق امريكا منذ حرب فيتنام... والارجح ان اللجوء الى هذا الاحتمال سيكون افضل حلين احلاهما مر، فكما ان غض الطرف عن اتهامات التزوير التي لاحقت العملية الانتخابية من شانه ان يضعف موقف الرئيس الافغاني قرضاي ويشكك في شرعيته، فان في العودة الى جولة انتخابية ثانية ما سيؤكد ضمنا وقوع محاولات التزوير ويستدعي بالتالي تهيئة الارضية المطلوبة لتصحيح الاوضاع، وربما يدفع قرضاي مرشح البيت الابيض الى تحالفات جديدة مع زعماء القبائل من غير اقلية الباشطون التي ينتمي اليها والى تعزيز علاقاته مع زعماء الحرب السابقين والمتحكمين في شبكة انتاج وترويج المخدرات.. وفي الذكرى الثامنة للحرب على افغانستان التي توشك ان تتحول الى لعنة متوارثة، لايبدو ان الادارة الامريكية تجد ما يمكنها الاحتفال به، او ما يدعو الرأي العام الامريكي للاعتقاد بانها بصدد كسب المعركة في مواجهة حركة "طالبان" التي تجاوز نفوذها حدود افغانستان الى باكستان المجاورة التي تعيش بدورها على موجة التفجيرات الانتحارية اليومية، مما ينذر بأن الاسوأ لم يحدث بعد.. واذا كانت اليابان قد اعلنت التمرد على الحليف الامريكي واعتزامها وقف دعمها اللجوستي لقوات التحالف في افغانستان، فان فرنسا ومن قبلها ألمانيا وايطاليا رفضت ارسال المزيد من القوات بما يؤشر الى استمرار انفراط العقد الدولي يوما بعد يوم في افغانستان، حيث لم يعد مجال امام القوات الدولية العاملة تحت راية الحلف الاطلسي ان تلقي المنديل او تتراجع عما كانت التزمت به في حربها المعلنة على الارهاب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ولعل في اعترافات الجنرال ماك كرستال القائد الاعلى للقوات الامريكية في افغانستان بأن قوات التحالف ليس جزءا من الحل، ولكن جزءا من المشكلة ما يلخص حقيقة المشهد الافغاني ونظرة الافغان الى تلك القوات بانها قوات احتلال، بما لا يمكن لعقلية الافغان المعروفة بعدائها ورفضها للوجود الاجنبي على ارضها وبالتالي ما يترك الباب مفتوحا على كل الاحتمالات والقراءات حول تطورات وتعقيدات المشهد الافغاني... والامر لا يتوقف عند حدود استمرار تفاقم الخسائر المادية والبشرية لقوات التحالف التي تقودها الولاياتالمتحدة، ولكن ايضا بسبب عودة ذلك الشعار القديم الجديد بان افغانستان كانت ولاتزال مقبرة الامبراطوريات، ليطفو على سطح الاحداث وعلى عناوين تقارير "البنتاغون" الى جانب مختلف استطلاعات الرأي في العواصمالغربية وفي الدول الاعضاء في الحلف الاطلسي بعد ان سقطت مختلف الاستراتيجيات والمخططات العسكرية حتى الان في تحقيق الاهداف الامريكية في افغانستان، واولها عودة الامن المفقود بما يمكن ان يساعد الاهالي على استعادة نمط حياة اقرب الى الطبيعي بعد سنوات طويلة من الحروب والصراعات الدموية التي جعلت الجزء الاكبر من البلد في موضع اقرب منه الى العصور البدائية، باستناء بعض الاحياء الواقعة في العاصمة كابول او المنطقة الديبلوماسية حيث مقر قوات الاطلسي والسفارة الامريكية...