أول تعليق من عميد المحامين على "أزمة المهاجرين"    عاجل - إغلاق محل لبيع منتجات لحوم الخيول في بن عروس    محيط قرقنة يُقصي الترجي من سباق كأس تونس    وجيهة الجندوبي :'' ايتها الوطنية رجعلنا المسلسلات المكسيكية والكويتية خاطر كرهتني في وجهي الحقيقة''    وكالة التحكم في الطاقة: نحتاج استثمارات ب 600 مليون دينار لتخفيض الاستهلاك الطاقي في البلديات    وزارة الفلاحة تؤكّد أهميّة استعمال التقنيّات الرقميّة لإرساء تصرّف ذكي ومستدام في المياه    تطاوين: الشرطة البلدية تُنقذ طفلين من الموت    بورصة تونس أول شركة تتحصل على شهادة الأيزو 22301    أبطال أوروبا: تشكيلة بايرن ميونيخ في مواجهة ريال مدريد    غياب الحفناوي عن أولمبياد باريس: الناطقة الرسمية باسم جامعة السباحة توضّح    كأس الكاف :الزمالك يحتج على تعيين حكمين تونسيين في النهائي ضد بركان    باب بحر: القبض على متورّط في عمليات سرقة    بين المنستير وصفاقس: الاحتفاظ بشخصين والقبض على منظمي "حرقة" ووسطاء    كيفاش تتحصل على منحة العائلات المعوزة ؟    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    سليانة: تسجيل جملة من الاخلالات بكافة مراكز التجميع بالجهة    منزل تميم: تفكيك شبكة مختصة في سرقة المواشي    نجيب الدزيري لاسامة محمد " انتي قواد للقروي والزنايدي يحب العكري" وبسيس يقطع البث    البطولة العربية لألعاب القوى: ريان الشارني يتوج بذهبية سباق 10 الاف متر مشي    التونسي أيمن الصفاقسي يحرز سادس أهدافه في البطولة الكويتية    الأعلى انتاجا.. إطلاق أول محطة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية    سيارة Chery Arrizo 5 الجديدة تصل إلى تونس    إنقاذ فلاّح جرفه وادي الحطب بفوسانة..    انطلاق اختبارات 'البكالوريا البيضاء' بداية من اليوم الى غاية 15 ماي 2024    حجز كمية مخدّرات كانت ستُروّج بالمدارس والمعاهد بحي التضامن..    هام/ تسميات جديدة في وزارة التجهيز..    عاجل : قضية ضد صحفية و نقيب الموسقيين ماهر الهمامي    أريانة :خرجة الفراشية القلعية يوم 10 ماي الجاري    قصر العبدلية ينظم الدورة الثانية لتظاهرة "معلم... وأطفال" يومي 11 و12 ماي بقصر السعادة بالمرسى    دورة جديدة لمهرجان الطفولة بجرجيس تحتفي بالتراث    وزيرة الإقتصاد في مهمة ترويجية " لمنتدى تونس للإستثمار"    بطاحات جزيرة جربة تاستأنف نشاطها بعد توقف الليلة الماضية    عاجل/يصعب إيقافها: سلالة جديدة من كورونا تثير القلق..    قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 8640 فلسطينيا بالضفة الغربية منذ 7 أكتوبر الماضي..    بطولة مصر : الأهلي يفوز على الاتحاد السكندري 41    جرحى في حادث اصطدام بين سيارتين بهذه الجهة..    الاقتصاد في العالم    جريمة شنيعة: يطعن خطيبته حتى الموت ثم ينتحر..!!    بأسعار تفاضلية: معرض للمواد الغذائية بالعاصمة    قبل لقاء الأهلي والترجي: السلطات المصرية تعلن الترفيع في عدد الجماهير    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 8 ماي 2024    تراجع عدد أضاحي العيد ب13 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية    مدعوما بتحسن الإيرادات الخارجية: ميزان المدفوعات يستعيد توازنه    هزة أرضية بقوة 4.7 درجات تضرب هذه المنطقة..    "دور المسرح في مواجهة العنف" ضمن حوارات ثقافية يوم السبت 11 ماي    جيش الاحتلال يشن غارات على أهداف لحزب الله في 6 مناطق جنوب لبنان    لأجل غير مسمى.. إرجاء محاكمة ترامب بقضية "الوثائق السرية"    محرز الغنوشي: رجعت الشتوية..    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    رئيس جمعية مالوف تونس بباريس أحمد رضا عباس ل«الشروق» أقصونا من المهرجانات التونسية ومحرومون من دار تونس بباريس    مصر: تعرض رجال أعمال كندي لإطلاق نار في الإسكندرية    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة الرسائل للإمتاع والنسيان
«أنثى السراب» رواية واسيني الأعرج الجديدة:
نشر في الصباح يوم 17 - 10 - 2009


تونس الصباح
الكتابة عن واسيني الأعرج لا تشبه الكتابة عن غيره من الكتاب، فهو نسيج وحده، لرواياته رغم التقائها مع سواها من الروايات العربية في الكثير من الخصائص، أسلوبية وشكلية طابع خاص، لنقل «نكهة خاصة» تستمدها أساسًا من شخص مؤلفها ثم من مناخاتها التي يمكن أن نقول إنها مناخات واسيني الأعرج.
في روايته الأخيرة «أنثى السراب»، الصادرة هذه الأيام عن دار الصدى بالإمارات العربية المتحدة، يبرع واسيني الأعرج في كتابة قصة حب جميلة وعصرية، وهي خارج نطاق كلاسيكية هذا الضرب من الروايات رغم أنها تأخذ شكلها الخارجي «رسائل الحب» من عالم الرواية الكلاسيكية إذا جاز لنا اعتبار روايات «لاكلو»، «العلاقات الخطرة» أو «بوتي ستايل» أو «ستائر المرمر» للبيروفي «رودريغو غالاس»، روايات وغيرها كلاسيكية.
يضع الروائي هيكلاً أوليًا لعمله، أساسه قطبان هما المتراسلان الأساسيان، واسيني الأعرج باسمه وصفته وحياته، الروائي الجزائري الذي نعرف ومريم أو ليلى، وهي امرأة متزوجة ولها حياة خاصة، الزوج رياض والابن يونس والابنة مايا، ولها حياة سرية مع واسيني تمتد من سنوات الدراسة إلى حدود كتابة الرواية، التي تنبع في الأصل من رغبة هذه المرأة في التذكر أو في النسيان انطلاقًا من استعادة قراءة الرسائل المتبادلة في فترات متقطعة من حياتيهما وفي مناسبات مختارة بشكل دقيق يساهم في بناء الرواية الكبرى «امرأة السراب» ثم في تشكيل لوحة حكائية فسيفسائية تبرز معالمها شيئًا فشيئًا كلما تقدمنا في قراءة الرواية تأتي إثر ذلك مرحلة من الحكي ينفتح فيها على جميع مولفات واسيني الأعرج الروائية وعلى هموم الكتابة لديه.
الخروج من الحياة
هي مراحل ثلاث، يحددها الكاتب بحدثين اثنين، مرضه الشخصي، الغياب عن الفعل الإرادي، في الجهة الاولى والقتل الرمزي لمريم في داخل ليلى التي تغادر القبو أو «السكبيبتوريوم» أو الخلوة التي اتخذتها مكانًا لمراجعة الذات في الجهة الثانية، وفي كلتا الحالتين، هناك خروج ما من الحياة ودخول في عالم جديد لا هو حسي مادي ولا هو روحاني معنوي. هو هذا وذاك معًا، إنه الحب الأفلاطوني، حيث يعشق الأصل من أجل الصورة وتعشق الصورة من أجل الأصل، وهو ليس الحب العذري الذي صوره مورخو الأدب المهووسون بالخلاص والميالون إلى المثالية، حيث لا جسد يعبّر بل روح تعشق ثم تفنى في المعشوق بلا طمع في الوصال. وهي في رأيي من جميل الاستلهامات العربية الأولى من الثقافات الشرقية القديمة التي تمزج المحبوب بالمقدس. وقد فعل التحويل والترجمة فعلهما في سائر ما وصلنا من تلك الغراميات التي حفظتها كتب تراثنا وتجدر بنا مراجعتها.
ضد العذريات
واسيني الأعرج، وهو يضع قطع الفسيفساء الواحدة تلو الأخرى ليرسم حكاية الحب الجميلة والمشوقة، بينه وبين ليلى واختيار الاسم هنا ليس اعتباطيًا، أو بينه وبين مريم، والاسم ليس اعتباطيًا أيضًا، فإنه يترك كل تلك العذريات جانبًا، بل يذهب ضدها تمامًا، إما من خلال اعترافات ليلى أو من خلال ابتداع لحظات من الوصال الجسدي/الروحي، قل هي سنوات من الحب الفعلي الذي يثمر حياة جديدة، هي مايا البنت، وهي الكتابة التي لولاها ما كان لهذه العلاقة أن تتواصل، وما كانت لهذه اللذة التي تسري إلينا من صفحات الكتاب أن تكون. يعرف واسيني الأعرج بخبرته ككاتب وكناقد للأدب أن القارئ المدرب إنما تغريه تلك المنطقة من الأحداث حيث نصف الوضوح ونصف الغموض أو تلك اللعبة التي يسميها المختصون في عرض الأزياء لعبة الإظهار والإخفاء، وهي لعبة المرأة الخبيرة بما يثير الرجال، أن تقتصد في الإغواء اقتصادًا يجعل منهم كما تقول «مادام دي ستايل»، شبه عطاشى وشبه مرويين. هي إذن منطقة بين منطقتين، وهي في الرواية كذلك. الحقيقة والأدب يتصارعان لا في ذهن الكاتب الذي يمسك بخيوط اللعبة، بل في ذهن القارئ الذي يقع في الفخ، فيقبع غير قادر على تحديد مدى الواقعي من الخيال الأدبي في هذا النص الذي أراده صاحبه شرَكًا حقيقيًا، شركًا على شكل شبكة ذات عُقد مترابطة، بعضها من حياة الكاتب الحقيقية وبعضها من حياة أبطال رواياته السابقة وبعضها من قراءاته الشخصية. أما البعض الآخر، فهو مما ينشئه في قارئه من حوافز للتذكر، تذكر قصص الحب القديمة وإثارتها من جديد، عند القراءة وبعد الفراغ منها، وهنا تكمن أسرار هذه الرواية التي تظل في أغلبها متكتم عليها ولا يمكن فضحها إلا إذا ما أعدنا قراءة ما كتب واسيني. وتتبعنا تلك الخيوط الرابطة بين هذه العقد الكثيرة والمتشابكة، مع مراجعة النظر في مسارات الرواية الحديثة التي صارت تتغذى على ما يتوفر أمامها، فنونًا وواقعًا وفلسفة وخيالاً وغيرها...
من خدع الكاتب
من خصوصيات هذا العمل الجديد لواسيني الأعرج، اعتماده على الهوامش التي لم تكن مستغلة في ما نعرف من الروايات الاستغلال الذي اختاره لها، فالهامش هاهنا يمتد على عشر صفحات من الرواية وهو لا يفسر ولا يوضح ولا يشرح مستغلقًا، بل هو سرد من نوع خاص وحتى وضعه آخر الرواية ليس إلا خدعة من خدع الكاتب أراد بها مزيد إحكام شراكه وتعميق إغوائه. وهي إضافة شكلية مهمة يمكن دراستها بأكثر تفصيل وظيفيًا واستغلالها في مجالات البحث الأكاديمي.
لا يمكن في هذا العرض أن نلم بمختلف جوانب هذه الرواية الجديدة للمبدع الجزائري واسيني الأعرج، وحسبنا أن نلفت انتباه القارئ إلى لذة قراءتها والتمتع بأحداثها التي تبدو ظاهريًا منشغلة في سرد أحداث قصة حب عصرية، ولكنها في العمق رواية سياسية بالدرجة الأولى...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.