تونس الصباح مواصلة لمنهج الدراسة والتحليل والمتابعة والتقييم التي يعتمدها المرصد الوطني للشباب انطلاقا من دلالات تسميته «المرصد» وكذلك تماشيا مع الاهداف التي بعث من اجلها وفي اطار سلسلة من الدراسات الخاصة بمواضيع تهم الشباب انتهى المرصد مؤخرا من انجاز دراسة تهم «الظواهرالسلوكية الجديدة لدى الشباب: من التشخيص الى استشتراف آليات الوقاية» وقد حصلت «الصباح» على نسخة من هذه الدراسة وسنحاول في هذه الورقة التطرق الى اهم نتائجها. بالاضافة الى الاجراءات المتخذة في اطار مزيد التعمق في هذه الدراسة بعد التأكيد على ذلك خلال عرض نتائجها في جلسة عمل وزارية في شهر افريل الفارط. قبل ذلك وفي اطار التذكير باهداف انجاز هذه الدراسة نشير الى انه تم ضبط 4 اهداف اساسية لدراسة الظواهر السلوكية الجديدة لدى الشباب: اولا لتحديد انواع الانحراف وتحليل اسبابه وثانيا للمساهمة في تحيين الآليات الموجودة والخاصة بالوقاية من الانحراف وثالثا من اجل ضبط مؤشرات القصور في الوظيفة التربوية للمؤسسات الاجتماعية ثم اقتراح مناهج وقاية واحاطة وتقديم توصيات ومداخل علمية يمكن ان توظف كآليات للوقاية من الانحراف. وقد شملت عينة العمل الميداني 50 شابا وفتاة ممن تتراوح اعمارهم بين 15 و18 سنة وينتمون الى اقاليم تونس الكبرى والشمال الشرقي والشمال الغربي ممن تورطوا في افعال مخالفة للقوانين افضت الى ايداعهم بالمؤسسة الاصلاحية. وبالاضافة الى تقنية الاستمارة تجدر الاشارة الى انه تم الاعتماد على تقنية المقابلة نصف الموجهة والتحاور مع المستجوبين الى جانب محادثات مع ممثلي الوزارات المعنية على غرار وزارة العدل وحقوق الانسان ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشباب ووزارة شؤون المرأة والاسرة والطفولة والمسنين. تشخيص الظاهرة افضت نتائج دراسة الظواهر السلوكية الجديدة لدى الشباب الى ان الظواهر السلوكية المنحرفة لديهم متعددة و متنوعة غير ان تناميها يبرز بالخصوص في مجالات جرائم السرقة والعنف والمخدرات والجرائم الاخلاقية وظاهرة التشرد وجرائم الكحول فضلا عن الجرائم المرتبطة بالتظاهرات الرياضية بالاضافة الى ما يتضمنه الوسط المدرسي من بعض مظاهر السلوك الانحرافي. في المقابل تشير الدراسة الى ان تشخيص ظاهرة الانحراف في صفوف شبابنا بقدرما يدعونا الى مزيد الاهتمام بهذه الظاهرة والعمل على الاحاطة بهذه الفئة من الشباب فانه لا يدعو الى التهويل والحيرة. في هذا السياق تورد الدراسة انه استنادا الى المعطيات الاحصائية الصادرة عن وزارة العدل وحقوق الانسان تشير الى ان نسبة القضايا المتعلقة بالاطفال واليافعين ومن هم دون سن العشرين لا تمثل سوى 2% من مجموع القضايا التي تم فصلها خلال السنة القضائية 2003-2004 والتي بلغت حوالي 12 الف و273 قضية في مجموع 614 و864 قضية. اسباب الانحراف تنتج السلوكيات المنحرفة لدى شبابنا عن عوامل معقدة ومركبة تشمل ما هو صحي نفسي وما هو اجتماعي مادي وحضاري. وتشير نتائج الدراسة في هذا السياق الى وجود اسباب ذات علاقة بالحياة الاسرية على غرار تواضع ظروف مستوى عيش الاسر والخلافات الزوجية واعتماد العنف لفض النزاعات والنزاعات بين الاباء والابناء وضعف فرص التواصل والحوار داخل الاسرة. توجد كذلك اسباب ذات علاقة بالحياة الدراسية من قبيل الانقطاع المبكر عن التعليم واللجوء الى منطق الزجر في طريقة التعامل مع الخروقات داخل السياق المدرسي مما يؤدي الى ارتفاع نسبة المنحرفين المفترضين (délinquants potentiels) وتعسر مهمة التأهيل المدني لهذه الشريحة من المجتمع. وفي باب الاسباب الاقتصادية والاجتماعية نجد عدم توصل مسالك التكوين المهني الى استيعاب المسرحين من التعليم وصعوبة الحصول على شغل بسبب قلة المؤهلات المهنية وتدني المستوى التعليمي الى جانب قلة وجود الجمعيات المختصة القادرة على الاحاطة والتأهيل مقابل وجود شبكات لاستقطاب الفتيات الجانحات حال الافراج عنهن ووجود كهول يستغلون بعض الاطفال في التسول او البيع الممنوع او الجنس ويخضعونهم لضغوطات ومعاملات زجرية يصعب غالبا على الحدث تجاوزها. اشكاليات في التعامل مع الظاهرة تشير نتائج دراسة السلوكيات الجديدة لدى الشباب الى ان التعامل مع الظواهر المنحرفة يتطلب جهدا كبيرا وبالرغم من المجهودات المبذولة والامكانيات التي وضعتها الدولة فان عديد الاشكاليات تحول دون تحقيق الاهداف المنشودة ولعل من اهمها: اضطلاع قضاة التحقيق بالقضايا الخاصة بالاطفال الى جانب القضايا التحقيقية الخاصة بالرشد بما يشكل عبءا ثقيلا يوثر سلبا على ادائهم. كثافة القضايا الجزائية تحول دون تطبيق العقوبات البديلة باعتبارها تابعة لمجال التفريد العقابي الذي يتطلب تمعنا في شخصية المتهم وتثبتا من مدى ملاءمة تلك العقوبة له. عدم تمكن الشرطة العدلية من التعهد بمختلف حالات الجنوح باعتبار اتساع مشمولاتها ومحدودية امكانياتها وبالتالي فان عملية التعهد تتم غالبا عن طريق اعوان غير مختصين. ضعف التنسيق والتكامل في الادوار بين الاطراف المتدخلة في مجال الاحاطة بالاحداث ورعاية صنف الشباب المقصود بهذه الدراسة في ظل غياب قطب مركزي ينسق ويوجه ويحكم ويدعم الاطراف المعنية ماديا وفنيا وهو ما يجعل المؤسسات المكلفة بالاحاطة في حاجة اكيدة الى «مرجعية تقييمية». افتقاد بعض الهياكل الاجتماعية والتربوية المعنية بادماج الاطفال الى مشاريع بيداغوجية مؤسساتية توجه تدخلاتها وتضبط اهدافها العامة والعملية بما يضمن حقوق الطفل في الحماية الاجتماعية والقضائية. صعوبة معالجة ظاهرة الادمان على المواد المخدرة اذ ان المؤسسات المتوفرة لا تستجيب في وضعها الحالي للصيغ الخصوصية اللازمة ولا توفر للمدمنين امكانية الانتفاع بالخدمات الضرورية. متابعة نتائج الدراسة وفي اطار تعميق النظر في نتائج الدراسة وفقا لما اذن به رئيس الدولة وما تمخضت عنه جلسة العمل الوزارية الخاصة بالدراسة ينتظر ان يتم العمل على مزيد التنسيق بين الاطراف المعنية من خلال احداث فريق عمل صلب المرصد الوطني للشباب يتركب من ممثلين عن وزارات الداخلية والتنمية المحلية والعدل وحقوق الانسان والشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج والتربية والتكوين وشؤون المرأة والاسرة والطفولة والمسنين. سيتم كذلك العمل على التعمق في دراسة بعض ظواهر الانحراف لدى الشباب قصد تشخيصها والوقوف على اسبابها واستشراف آليات الوقاية منها..