اسعدت امينة فاخت كل الذين حضروا سهرتها مساء السبت الماضي بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات حيث امتلأ بهم المسرح وغصت المدارج بهتافاتهم، واضطر الكثير من احبائها الى قضاء السهرة وقوفا، والبعض منهم احاطوا بكامل جنبات الركح وكادوا يختلطون باعضاء الفرقة الموسيقية ولم يكن الحضور من اهالي الحمامات فقط بل ان اغلبهم جاؤوا من العاصمة وقال أحد الحاضرين لتلفزيون حنبعل لقد قدمت مع كامل افراد عائلتي من صفاقس فلا يمكن ان لا أكون من بين هؤلاء المعجبين بالفنانة امينة فاخت. وما أحب ان اضيفه هنا ان ثلاث اذاعات تونسية نقلت الحفل مباشرة.. وهو ما وسّع من نطاق الساهرين من اجل «امينة» ومن اجل غنائها الجميل.. وصوتها المتدفق الشجي ومن أجل حركيتها على الركح.. فهي الوحيدة التي ان غنت لام كلثوم لا تقف امام الميكرفون وهي الوحيدة التي ان غنت للراحل عبد الوهاب لا تجلس على كرسي. فالميكرفون على «طول» بيدها.. وهي تجوب الركح طولا وعرضا وترتحل في اعماق الفرقة.. وتخاطب الجمهور وكأنه فرد واحد امامها.. وكثيرا ما تنسى نفسها فترتجل بنجاح كبير بعض المقاطع على طريقتها فيبقى العازفون حائرين من امرهم هل يلاحقونها أم يواصلون العزف وفق التلحين المعروف،. وهي تفعل ذلك بتلقائية واضحة.. لانها تذوب في الاغنية التي تختارها.. وتلتحم بكلماتها.. وتتماوج في افقها وترتفع مع الوصلات الجميلة الى الاعلى فتصبح نسيما او مطرا او غيما.. انها كذلك دائما. امينة فاخت صوت نادر من نوعه.. ولم يتأكد احباؤها من هذه الحقيقة الان فقط وقبل سنوات.. لقد انطلقت فنانة بحق منذ البدايات. شخصيا اشهد بذلك.. فلقد صادف ان كنت عضوا في لجنة انتقاء الاصوات في بداية الثمانينات تركبت من الأساتذة محمد التريكي ومحمد رضا وعز الدين العياشي كان ذلك في احد استيديوهات الاذاعة الوطنية، ومرت من امام اللجنة امينة فاخت وكانت آنذلك لا تتجاوز 17 سنة من عمرها.. وغنت كما لم يغن احد مثلها من بين المترشحين لاعتلاء مسرح قرطاج في سهرة كانت خاصة ببرنامج المواهب. يومها تم اختيارها للحفل. وكان النجاح حليفها.. وتأكد الجميع من انطلاق موهبة جديدة في سماء تونس. واختطفها الملحنون من تونس وغنت لهم بما حرك العواطف والقلوب.. وبما جعلها تشتهر بسرعة.. يكفي التذكير باغنية «طير الحمام مجروح» التي طيّرت اسمها في الافاق الرحبة. وبعد تجربة قصيرة مع الفرق والحفلات والنجومية المبكرة غادرت تونس في رحلة اولى نحو الغرب لا نعرف الكثير عنها الى حد الان كانت بالنسبة لنا رحلة فاشلة جعلتنا محرومين من صوت جميل بحث عن افق اخرى انسدت امامها. ثم ادت بضعة اغنيات سريعة ومتسارعة ولكنها جميلة وخفيفة انتشرت هي الاخرى بسرعة.. الا ان طموحها الكبير وجرأتها الكبيرة رفعت بها مرة اخرى الى الهجرة.. وكانت هذه المرة نحو الشرق.. ولم تطل بها الرحلة وعادت ومعها اغنية جميلة هي الان من افضل ما عندها الى جانب «طير الحمام مجروح» المتميزة الى حد كبير. وقررت أمينة ان لا تجرب الهجرة مرة اخرى.. ولو اصرت على البقاء في بيروت والقاهرة لكانت اليوم تجلس على عرش الاغنية العربية بلا منازع. لقد اكدت امينة انها مثل السمكة اذا خرجت من بحرها تختنق وبحر امينة هو تونس، عائلتها.. و حياتها وفنها. وتوسعت شعبية امينة اكثر وأكثر وواصل الناس عشقهم لها واعجابهم بغنائها.. وتقبل سلوكها الذي قد لا يميل اليه البعض.. لقد تقبلوها بجنونها.. ب«عفرتتها» واحبوها بصدق.. لانها بكل بساطة فنانة. وبكل صراحة لم تجد امينة «الفضاء» القادر على استيعاب انفاسها الحرّى.. وصوتها الجميل فقررت ان تغني للكبار، للعمالقة في انتظار ان تنفجر من جديد وتطلع بانفاسها الغنائية الى الآفاق الواسعة.. ثم اكتشفت التراث الشعبي التونسي وغنت منه في البداية ما تغنّى به الطاهر غرسة وابنه الرائع زياد. وفجأة توجهت الى الاغاني الشعبية التي قد لا يجتمع عليه اثنان في جلسة واحدة. هل أخطأت امينة؟ وهل توجهت الى هذا النوع بدون استشارة المختصين.. واحبائها العارفين بخاماتها.. وقدراتها الحقيقية الرحبة. قد تكون اخطأت؟! لكن ماذا نقول وجمهورها الذي يحبها يقبل منها كل تجاربها.. وكل أهوائها وقد يقبل منها اخطاءها. وفي حفلها بالحمامات قدمت نماذج من هذه المسيرة الثرية التي بدأت تثير الجدل في السنوات الثلاث الاخيرة. لكن أمينة واثقة من نفسها وهي تعد احبائها بالجديد.. وبمفاجأة سارة. لقد اعلنت عن ذلك في برنامج «مهرجان» على قناة «حنبعل» مساء الاثنين الماضي حيث قالت: «مهرجان قرطاج مفتوح لي دوما.. وادارته ترحب بي ولكني فضلت ان اغني في الحمامات هذه السنة في انتظار المفاجأة». كيف ستكون هذه المفاجأة وهل هي تعد لاغنيات جديدة في حجم وجمال «طير الحمام مجروح»؟! نحن ننتظر ونتمنى ان تخرج أمينة من الغناء للآخرين وتدعم تجربتها بالجديد الذي يرفعها بقوة دون ان تمر على شركات الفن الاستهلاكي حتى لا أقول كلمة اخرى. لا شك ان كل احباء أمينة سيرحلون طويلا في السؤال: «كيف ستكون المفاجأة.. و ما نوعها»؟! والرجاء ان ياتي الجواب سريعا.