لم يكن مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين الواقع شمال لبنان يعني الكثير او القليل للعالم قبل الاحداث الدموية التي اهتز لها نهاية الاسبوع المنقضي والتي خلفت عشرات القتلى والجرحى من اهالي المخيم الذين تحولوا فجاة الى رهينة في المواجهات المسلحة بين الجيش اللبناني وعناصر من احدى التنظيمات المتطرفة التي تعرف «بفتح الاسلام» والتي وجدت بين ثنايا المخيم البائس الذي ضاق باهله ماوى لها لجمع السلاح وتهديد مصير اللاجئين ومضاعفة معاناتهم المستمرة هناك بعد ان تنكر لهم المجتمع الدولي وتناسى وعوده لهم بحقهم في العودة الى اراضيهم التي اطردوا منها قسرا. قد لا تتوفر لايّة جهة كانت حصيلة رسمية بعدد المقيمين في مخيم نهر البارد فقد يكونون عشرين الف لاجئ حسب البعض وربما كانوا ثلاثين ايضا ولكن الاكيد ان القاسم المشترك بينهم جميعا يبقى الفقر والبؤس والاحساس بالاهمال والضياع والنبذ من الجميع داخل حدود مخيم لا تزيد مساحته عن الكيلومتر مربع شانهم في ذلك شان اربع مائة الف لاجئ فلسطيني يتوزعون على اثني عشر مخيما في لبنان في انتظار مستقبل مجهول. وبرغم اجماع اهالي المخيم وحرصهم على النأي بانفسهم من أي رابط بعناصر ما يسمى ب«فتح الاسلام» وتاكيدهم على عدم ارتباطها بالقضية الفلسطينية فان ذلك لم يوفر لهم الحماية المطلوبة ولم يحقن دماءهم ولم يحم الارواح التي سقطت بينهم. لقد كشفت الاحداث الدموية المستمرة لليوم الثالث على التوالي بالامس في مخيم نهر البارد الكثير من الحقائق المنسية بشان واقع اللاجئين الفلسطينيين وما يواجهونه من صعوبات في حياتهم اليومية واعادت تسليط الاضواء على احدى القضايا الانسانية الشائكة التي ما انفكت تؤجل الى اجل غير مسمى ولا شك ان في صرخات اهالي المخيم المحاصرين الذين عجزوا عن مواراة القتلى او انقاذ المصابين ما يعكس حجم الماساة وابعادها بل وانعكاساتها التاريخية والسياسية والانسانية وحتى الاخلاقية التي يواجهونها والامر هنا لا يتعلق بالسلطات اللبنانية وحدها التي قبلت تحمل مسؤولية ايواء نصف مليون لاجئ فلسطيني بكل اعبائها برغم امكانياتها المحدودة ولكن الامر يتعلق كذلك بالمجموعة الدولية التي اقرت بحق اللاجئين الفلسطينيين المشروع في العودة قبل ان تتنكر لهم وتتناسى امرهم فساعدت بذلك وهيات لتحويل تلك المخيمات الى ما يشبه القنابل الموقوتة لا بسبب نسبة التزايد الديموغرافي بداخلها فحسب بل وكذلك بسبب كل ما يتولد فيها من مشاعر الحقد والنقمة والاحساس بالظلم وانعدام العدالة الاجتماعية. كما كشفت الاحداث ايضا هشاشة المشهد اللبناني الذي يبقى ابعد ما يكون عن التخلص من التهديدات الامنية والخروقات التي تدفع به في كل مرة الى اتون الفوضى وشبح العودة الى الحرب الاهلية. ولاشك ان في الخسائر التي تكبدها الجيش اللبناني والتي قدرت بالعشرات في تلك المواجهات ما تكشف بدورها الكثير عن تلك الجماعة وعن قدراتها وامكانياتها المادية والعسكرية فضلا عن تغلغلها بين اللبنانيين وقدرتها على استمالة واستقطاب اعداد من الشباب في صفوفها... ان ما حدث في مخيم نهر البارد من احداث خطيرة من شانه ان يدعو مختلف الفصائل والطوائف اللبنانية الى وضع حد لخلافاتها التي استمرت اكثر مما ينبغي وان تسعى الى تجاوز الازمة السياسية التي تتخبط فيها وان تدفع لبنان الى خارج النفق المظلم الذي يسعى البعض لدفعه اليه وقطع الطريق امام المراهنين على اسقاطه في دوامة من العنف والخوف.