نظرة قاسية للمرضى.. رغم الوعي الاجتماعي المرأة أقل عدوانية.. والرجل يرفض العلاج المبكر وحدات نفسية في كل مستشفى عمومي تونس الصباح 5778 عدد المقيمين وراء أسوار مستشفى الرازي للامراض النفسية والعقلية الذي طالما مثل ملاذ الحائرين وموطن المقصين من المجتمع. «الصباح» تجولت في اقسام الرازي وبحثت في الاسباب والظروف التي قد تسبب امراضا نفسية مستعصية تستدعي الاقامة بهذا المستشفى. قد تقسو الحياة على الانسان وتضعفه فيصبح عاجزا عن تحمل الصعوبات العاتية ومواجهة ضغوطاتها المختلفة فيصبح معرضا لامراض نفسية حادة تستوجب في بعض الاحيان الاقامة بمستشفى الامراض النفسية والعقلية. ولعل معدل المقيمين سنويا بمستشفى الرازي أكبر دليل على ذلك. وفي هذا النطاق حدثنا السيد الفاضل مراد رئيس اللجنة الطبية بمستشفى الرازي عن عدد العيادات النفسية الخارجية بالمستشفى وذلك حسب آخر احصائيات المستشفى لسنة 2008 بان عدد العيادات قد ارتفع الى 104.000 عيادة سنة 2008 مقارنة ب2007 حيث كان عدد العيادات يقدر ب98.993 عيادة خارجية بالمستشفى. علما ان المستشفى يخصص كذلك 663 سريرا للمرضى تقدر نسبة الذكور فيها ب65%. المقيمون أغلبهم ذكور وعلى عكس ما يعتقده البعض بأن المرأة تمثل اكبر نسبة للمقيمين بمستشفى الرازي اثبتت الدراسات العكس وفي هذا الصدد تقول السيدة عبد الجليل مديرة الشؤون الادارية ان 4058 من المقيمين سنويا هم ذكور بينما يبلغ عدد الاناث 1720. وتفسر السيدة عبد الجليل ذلك بكون المرأة لديها قدرة على الصبر والتحمل تجاه المشاكل اكثر من الرجل وبأنها قادرة على الاندماج الاجتماعي الذي يجعلها في غنى عن العيادة النفسية. من جهته يرى الدكتور مراد بأن سلوك المرأة يكون اقل عدوانية عند اصابتها بمرض نفسي مستعص في حين يكون الرجل اكثر شراسة وهيجانا مما يستوجب ابعاده عن المجتمع وبالتالي تصبح اقامته بالمستشفى حلاّ اساسيا لعلاج حالته. ويفسر الدكتور ذلك بكون الرجل يرفض فكرة الضعف والمرض، فلا يسعى الى عيادة الطب النفسي الا بعد تفاقم الحالة التي قد تصل الى مرض عقلي مستعص. الصدمات النفسية من أهم الأسباب تختلف تركيبة الشخصية من شخص الى آخر لذلك تختلف ردات الفعل ايضا تجاه الصدمات وفي هذا النطاق يأخذنا الحديث الى اسباب هذه الامراض النفسية التي يراها الدكتور مراد تنحصر في ثلاثة اسباب اساسية وهي الارضية العائلية اولا، اي اصابة احد الوالدين بالمرض فكلما كانت الارضية العائلية هشة كانت امكانية الاصابة بالمرض اكبر. ويتمثل السبب الثاني في المحيط الاجتماعي بما فيه من ضغوطات ومشاكل وازمات (كالطلاق الاعتداءات المشاكل العائلية..) ويضيف الدكتور بأن السبب الثالث يكمن في مدى توازن علاقة الفرد بينه وبين العائلة والمجتمع. من جهتها ترى السيدة عبد الجليل ان الصدمات قد تكون سببا رئيسيا للامراض النفسية الحادة كفقدان احد عزيز او فشل عاطفي او مهني. نجلاء 19 سنة تلميذة بالسنة النهائية بالثانوية صادفتنا في احد اقسام المعايدة النفسية بالمستشفى حدثتنا بان وفاة والدتها ووقع الصدمة عليها هو سبب اقبالها على العلاج النفسي بالرازي وتقول نجلاء ان قرار العيادة النفسية كان صادرا عن رغبة ذاتية وعن وعي منها بضرورة ايجاد حل لمعاناتها النفسية بعد فقدان والدتها. من جهتها بينت الدكتورة انيسة بوعسكر الطبيبة المشرفة على علاج نجلاء بأن درجة الوعي لدى التونسي قد تطورت تجاه المعايدة النفسية ولكن نظرة المجتمع هي التي ما تزال قاسية مضيفة بان اغلبية مرضاها لا يعانون بالضرورة من امراض عصبية مستعصية او مزمنة بل انهيارات عصبية او حالات اكتئاب ناتجة عن ظروف او صدمات اجتماعية صعبة. من الامثلة التي وجدناها بقسم العيادات النفسية بالاستعجالي معلم بمدرسة يخضع الى جلسات نفسية حاليا بالرازي، افادنا بان تفاقم المشاكل العائلية وصعوبة مهنة التدريس خاصة انه يزاولها مدة 33 سنة جعلته يعاني مشاكل نفسية صعبة اضطرته الى عيادة طبيب نفسي بمستشفى الرازي. الاحاطة الاجتماعية ضرورية ان اغلب المقيمين لفترة غير محددة بمستشفى الرازي والذين يعرفون «بفاقدي السند» هم الذين لم يجدوا الرعاية والاحاطة من قبل الاسرة والمجتمع. وتبين طبية مختصة بالمستشفى بأن الاسرة لها دور اساسي في اعطاء الرعاية والحنان للمريض النفسي حتى لا تتفاقم حالته المرضية. من جهتها افادتنا السيدة عبد الجليل مديرة الشؤون الادارية بان فاقدي السند يأتون من المراكز الاجتماعية او دار المسنين. وتضيف بان اغلبهم يأتون نتيجة تخلي الاهل عنهم بحجة فقدان الامل في علاجهم. ورغم اعتقاد العديد بأن الشفاء من مرض عقلي او نفسي حاد مستحيل فان الواقع يثبت العكس، فحسب دراسة علمية ثابتة لمستشفى الرازي فان ما يقارب 30% و40% من المرضى الموجودين بالمستشفى يعودون الى ممارسة الحياة الطبيعية من جديد ولكن يرتبط ذلك بدرجة الاحاطة والرعاية الاجتماعية للمريض. ويؤكد الدكتور مراد بأن المداومة على العلاج وعدم الانقطاع عنه من شأنه ان يحدث المفاجئة. كوثر العقربي وحدات نفسية في كل مستشفى عمومي في اطار المشروع الرئاسي المنبثق منذ سنة 1997 تم بعث وحدات للرعاية النفسية في كامل المستشفيات العمومية في كامل تراب الجمهورية (مستشفى فطومة بورقيبة صفاقسالمنستيرسوسةقابس...) ويتم حاليا بناء وحدة للعلاج النفسي بمستشفى قفصة كذلك بالكاف وجندوبة.