كنا هتفنا وهللنا فرحا لا طمعا بانتخاب باراك أوباما كأول رجل أسمر على رأس الأمريكيين. كنّا اعتبرنا أن النصر لم يتحقق لباراك أوباما وعائلته وحزبه فحسب بل لكل الذين يرون في فوزه تحقيق نصر خاص لهم. من كان يصدق أن هذا الرجل ذو الجذور الإفريقية والأصول الإسلامية من ناحية الوالد سيكون الرجل الأول في الولاياتالمتحدة. تحققت المعجزة ومع ذلك كثر هؤلاء الذين ظلّوا وكأنهم لم يغادروا الحلم أو لعلهم مازالوا يعتقدون أنهم يتابعون بشغف أحداث إحدى قصص المغامرات التي تقع في الزمن الغابر. ربما حمّل هؤلاء الذين ابتهجوا ورقصوا على أنغام فرحة انتخاب الرجل الأسمر رئيسا للولايات المتحدة حتى أن الناس كانت على استعداد لنسيان ذلك البلاء الكبير الذي أصيبوا به خلال فترة حكم سلفه الرئيس جورج ولكر بوش، ربما حمّلوا الرجل أكثر مما يتحمل عندما رأوا في انتصاره انتصارا شخصيا لهم. انتصارا على العنصرية وانتصارا للتقسيم السياسي في أمريكا الذي كان يقوم على العرق والنسب واللون. ربما حمّلوه أكثر من طاقته. لأنه في نهاية الأمر رجل سياسة وللسياسة أحكامها التي لا تنسجم عادة مع عدة مفاهيم أخلاقية ولكن ليس من حق باراك أوباما اليوم أن يجعل الحلم يتحول إلى كابوس. رأينا باراك أوباما يتسلم ممتنّا جائزة نوبل للسلام وما أبعد أن يكون العالم عن السلاّم اليوم. ربما نكون موغلين في المثالية عندما نقول أننا كنا نأمل أن يقوم باراك أوباما بخطوة تبقى في التاريخ. كنا نأمل أن يرفض الجائزة وكان غيره قد فعلها من قبل. جون بول سارتر الفيلسوف الوجودي الكبير رفض جائزة نوبل لأنها لا ترتقي في تقديره إلى مستوى آماله. لم يقدّر الأمور بمعيار الربح والخسارة ولكن سارتر جنى من منظورنا برفض الجائزة أكثر مما لو كان قبلها. لقد ربح نفسه وبقي ذلك الرجل الذي لا تدمع الأموال عيونه ولا ترضي التتويجات والألقاب غروره. كان إنسانا منسجما مع أفكاره و هذا يكفي كي يحتل مكانه في التاريخ إلى جانب الرجال المهمين . وكان يمكن لباراك أوباما أن يصمت وأن لا يقول أكثر مما تفرضه مثل هذه المناسبات من كلام لا يخرج عن دائرة البروتوكول ولكنه فضّل أن يلقي خطابا وأن يبرر الحرب. قال مثلا أنه لم يكن من الممكن تفادي الحرب في بعض الأحيان واستشهد بالحرب ضد النازيين مشيرا إلى أنه لم يكن من الممكن محاربة النازية بالمفاوضات. وهو مثال يبدو ظاهريا معقولا لكنه يستبطن ما نشتمّ منه بحثا عن الإحتماء بشرعية ما. ترك الرئيس السابق جورج بوش إرثا مثقلا بالدم لخلفه. وإن هتف العالم لأوباما فلأنه كان قد وعد بإيقاف نزيف الدم في العالم. وضعت البشرية التي سئمت من من ظلم النظام السياسي السائد في العالم آمالها في الرئيس الجديد للدولة العظمى الأولى في العالم ليعمل كما وعد خلال حملته الإنتخابية وبمناسبة خطبه التي توجه بها إلى الشعوب الإسلامية بمجرد تسلمه للقيادة بالبيت الأبيض بالعمل من أجل السلام ومن أجل تخفيف التوتر في العلاقات بين الشعوب. متى يعود الحلم إلى مساره؟ لم نتوقع أن يأتي باراك أوباما على صهوة جواده حاملا عصاه السحرية واضعا حدّا بجرّة قلم لكل مشاكل العالم ولكننا توقعنا حماسا أكبر ومبادرات كثيرة لأن الزمن يمر بسرعة و أربع سنوات مدة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة ربّما يضيف إليها مدة ثانية وفق ما يسمح به القانون الإنتخابي بالولاياتالمتحدة قد تجعلنا نخشى أن تنتهي دون أن يتحقق شيئا يذكر. لم نر ما من شأنه أن يضعنا نصدق أن الفلسطينيين قد يجدون طريقا إلى حقهم في بناء دولتهم المستقلة. لم نلاحظ ما توقعناه بشأن الحزم في التعامل مع العربدة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ولم يقف نزيف الدم في العراق. أمّا بخصوص الحرب في أفغانستان فإنه وكما علّقت عديد الصحف في العالم مستهزئة حيث قالت "جاء باراك أوباما إلى أوسلو يدق طبول الحرب ليتسلم جائزة السلام " وذلك طبعا في إشارة إلى الثلاثين ألف جندي أمريكي الذين أمر بإضافتهم إلى الجيوش الرابضة بافغانستان تقيم الحرب على الشعب الافغاني باسم مقاومة الإرهاب , بخصوص أفغانستان لم يختر الحل الامثل على مايبدو. كان يوما تاريخيا ذلك الذي رفعت فيه أصوات الناخبين الأمريكيين باراك أوباما إلى البيت الأبيض لأول مرة في تاريخ السود الأمريكيين. وكان يوما مشهودا عند أنصار الحريات في العالم ومناهضي العنصرية والقهر لسبب العقيدة أو لون الجلدة أو للأصل العرقي. و لم يكن أوباما ليصل إلى هذا المنصب الرفيع لو كان فاقدا للخصال الذاتية التي تؤهله لذلك. لذلك لا نود أن نصدق أن كاريزما الرجل واندفاعه وحماسه العجيب الذي أظهره خلال مختلف مراحل الحملة الإنتخابية الطويلة قد زالت بمجرد أن تحقق مطلبه. ولا نرغب في التسليم بأن شراسة الحملة الإنتخابية الرئاسية قد تكون أجهزت على طاقته. مازلنا ننتظر مبادرة تعيد الحلم إلى مساره الطبيعي ومازالنا نرفض الإنتهاء إلى أن سحر الرجل قد بطل أخيرا.