ليس غريبا ولا هو مثير في شيء، اختيار موقع ال»سي أن أن«، الرئيس السوري بشار الأسد، شخصية العام 2009 بلا منازع، على الرغم من وجود أكثر من شخصية لافتة، طبعت السنة التي ودعنا بصورة واضحة لا غبار عليها، على غرار رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، وغيرهما.. ففي ظرف قياسي، بحساب الفعل السياسي والعلاقات فيما بين الدول، انتقلت سوريا من طور إلى آخر بكيفية تدعو إلى التعجب حقا.. فقد كانت دمشق بعيد الحرب الهمجية على غزة (في ديسمبر 2008) جانفي 2009)، مصنفة ضمن لائحة دول »محور الشر« في المنطق الأميركي، حيث بدت العاصمة السورية وكأنها في قطيعة مع الدول الغربية، بعد أن حذت أوروبا حذو موقف واشنطن، بالإضافة إلى التباينات التي كانت تتحكم في علاقاتها بما يعرف ب »دول الاعتدال العربي»، وفقا للوصف الأميركي أيضا.. وفي ظرف أقل من عام تحديدا، نجحت سوريا في »تفكيك« جملة »الألغام« التي أحيطت بها من كل جانب.. كان ملف علاقتها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، أحد أبرز »الألغام« التي وجدت نفسها مضطرة للتعاطي معها في سياق عكسي تماما، وضدّ عقارب الساعة الإقليمية والدولية.. أبانت سوريا عن حنكة نادرة وهي تتحول من دولة »غير مرغوب فيها« لبنانيا، إلى قبلة لجميع الفرقاء اللبنانيين، سيما منهم أولئك الذين ربطوا تنقية الوضع اللبناني، بانتزاع الشوكة السورية منه كشرط أساسي.. وهكذا انتقلت دمشق من دولة »معادية للبنان« و »مفسدة« للأجواء السياسية فيه، إلى لاعب رئيسي في صنع استقراره السياسي، وهي العبارة التي ترددت على أكثر من لسان، كان في وقت سابق يضع سوريا في مرتبة »الشيطان الإقليمي«.. ولقد كان مثيرا ولافتا للنظر، زيارة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، التي توجت عاما كاملا من مساعي إذابة الجليد بين أكثر من لاعب في المشهد السياسي اللبناني.. وينبغي للمرء أن يتصور وعورة طريق التسوية في لبنان، ففي هذا البلد من السهل جدا أن تفسد لكن من الصعب عليك أن تصلح، والزمن الذي صرفته سوريا لإصلاح ما اعوجّ يعدّ قياسيا بكل معنى الكلمة.. ورغم أن عملية »الرصاص المصبوب« على غزة، كما أطلق عليها الإسرائيليون، قد قسمت العالم العربي إلى ركنين، عرب الاعتدال الصامتون الذين يتابعون المحرقة عن بعد، وعرب الممانعة المنخرطون في الهمّ الغزاوي، فإن سوريا، راهنت ليس على احتضان المقاومة فحسب، وإنما أيضا على صمودها وعدم تفتتها، باعتبارها المخزون الرئيسي للقضية ومستقبلها.. وكانت قمة الدوحة، عنوان »التجلي« السوري عربيا.. ولقد كان لافتا أيضا، زيارة الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إلى دمشق في قلب مرحلة الرصاص المنهمر على غزة، ليعلن من هناك، أن سوريا لاعب لا يمكن الاستغناء عنه في أي ترتيب جديد للمنطقة، بل كان ساركوزي حريصا على إدراج سوريا ضمن مشروع »الاتحاد المتوسطي«، وهو ما شكل رسالة مضمونة الوصول إلى الولاياتالمتحدة، ودول الاعتدال العربي، التي تلقفت التصريح الفرنسي، عبر قمة الرباعية التي عقدت في مارس 2009 بالرياض، بمشاركة قادة سوريا والسعودية ومصر والكويت، والتي انتهت إلى »التطبيع« مع سوريا، لا بل باتت دمشق انطلاقا من هذه القمة، البوابة الرئيسية التي يعبر من خلالها الجميع إلى جميع الملفات العربية تقريبا، وبخاصة الملفين اللبناني والفلسطيني، بالإضافة إلى العراق وإيران ومكافحة الإرهاب.. وهكذا تحركت الوساطات الأميركية والتركية والعربية، لانطلاق محادثات التسوية على المسار السوري الإسرائيلي، في ظروف صنعت دمشق بعض تفاصيلها، وفرضت البعض من شروطها وأجندتها.. ورغم أن هاجس هذه »العودة« إلى المسرح السياسي السوري، كانت تتم بالنسبة للبعض ضمن سياق عزل دمشق عن طهران، إلا أن سوريا نجحت في الإبقاء على تحالفها مع إيران، بل حولت هذا الملف إلى ورقة لا يمكن المساس بها إلا من خلال »الخاتم« السوري.. تبقى الإشارة إلى العلاقة مع أنقرة، تلك التي أسالت الكثير من الحبر على اعتبار تقاطع الدورين، السوري والتركي في علاقة بملفات كثيرة في المنطقة.. لكن سوريا لم توقف »العدّاد« التركي، وإنما أدرجته ضمن التوقيت السوري ووفقا لنبض الساعة الدمشقية.. استفادت سوريا من التوجه التركي الجديد، الذي خفض من أفق علاقته بتل أبيب، كما استفادت من زخم أنقرة ورغبتها في الاقتراب أكثر بالفضاء العربي، بعد عقود من التوجه الأتاتوركي النازع إلى أوروبا والخطّ العلماني المعروف.. بدأت دمشق العام 2009 في شبه قطيعة مع العالم من حولها إذا استثنينا إيران والمقاومة الفلسطينية وعلاقات محدودة مع قطر، وأنهت السنة كلاعب أول في ملفات المنطقة واستحقاقاتها، بل في مشكلاتها والحلول الممكنة لها.. وهذا وحده كاف لكي يحظى رئيسها بمرتبة شخصية العام..