قبيل شهر رمضان الحالي شهد القطاع الاعلامي العمومي في تونس حدثا كبيرا تمثل في انفصال التلفزة عن الاذاعة وانهاء زواج دام 41 سنة، فالمعروف أن الاذاعة الوطنية انطلقت مع الاستقلال على انقاض اذاعة تونس، ولما التحقت التلفزة بها تم عقد القران بينهما في نفس اليوم من سنة 1966 وأصبح الجهازان يتبعان ادارة عامة واحدة باسم الاذاعة والتلفزة الوطنية وفي عهد التغيير تحولت هذه الادارة الى مؤسسة واحدة هي مؤسسة الاذاعة والتلفزة ويديرها رئيس مدير عام. وللتاريخ نقول بأن باي تونس محمد الأمين فكر في بعث تلفزة تونسية منذ عام 1953 حيث تقدم بطلب رسمي الى السلطات الادارية الاستعمارية الفرنسية ينص على دعوتها الى إقامة تلفزة في بلادنا فلم تر هذه السلطات مانعا وبدأت في توريد التجهيزات تصل الى مقر الاذاعة آنذاك الا أن زحمة الاحداث السياسية وانطلاق المفاوضات الحاسمة من أجل استقلال تونس جعل المشروع يدخل طي النسيان ولما انتصب الزعيم بورقيبة رئيسا للجمهورية لم ير ضرورة الاسراع في تنفيذ مشروع التلفزة وتركه يترنح لسنوات طويلة كانت فيها الاذاعة وحيدة، فريدة في دورها وتأثيرها الواسع الى غاية 1966 التي شهدت انطلاق شقيقتها التلفزة وربما حاز لنا القول انطلق الزواج بين الاذاعة والتلفزة حد الالتحام. إن المتغيرات التي شهدتها تونس في السنوات الأخيرة حتمت انهاء هذا الالتحام واسناد استقلال التلفزة عن الاذاعة التي لا شك ستجد متنفسا في هذا الاستقلال الذي استفادت منه كثيرا. وبالتالي انقسمت مؤسسة الاذاعة والتلفزة الى ثلاث مؤسسات مستقلة وهي: مؤسسة الاذاعة يديرها الاستاذ منصور مهنى وهو أول رئيس مدير عام لها مؤسسة التلفزة يديرها الاستاذ المنصف قوجة وهو أول رئيس مدير عام لها مؤسسة النهوض بالانتاج السمعي البصري التي تتولى انتاج البرامج الاذاعية والتلفزية وتعمل على دعمها والمساعدة على تمويلها ولأنها اصبحت مستقلة فانه بامكان التلفزات والاذاعات الخاصة أن تتعامل معها وأن تقتني منها بعض حاجياتها، فليس هناك الى حد الآن أي مانع قانوني. ونعود الى مؤسسة الاذاعة فنذكر أنها تتولى الاشراف على: الاذاعة الوطنية الاذاعة الدولية RTCI اذاعة الشباب الاذاعة الثقافية اذاعة صفاقس اذاعة المنستير اذاعة الكاف اذاعة تطاوين اذاعة قفصة ويشرف على كل اذاعة منها مدير يعينه وزير الاتصال بالتشاور مع الرئيس المدير العام للاذاعة. أما مؤسسة التلفزة فانها تتولى الاشراف على قناة تونس7 الفضائية وعلى قناة 21 الأرضية والتي ستصبح بداية من يوم 7 نوفمبر القادم قناة فضائية، وقد يتزايد عدد القنوات التلفزية العمومية في تونس بعد اجراء عملية تحويل قناة 21 من ارضية الى فضائية ويجري الحديث حاليا عن امكانية بعث تلفزة أرضية تنتمي الى نفس هذه المؤسسة العمومية أو قل مؤسسة الدولة ستعنى بالشأن الحضاري والثقافي والعلمي مبدئيا. وما نريد أن نطرحه بعد هذا العرض السريع للمشهد الاعلامي العمومي في القطاع السمعي البصري هو أنه لم يعد من الضروري للاذاعة العمومية أو التلفزة العمومية مواصلة حمل الصفة الوطنية، فالمشهد الاعلامي السمعي البصري اليوم يزخر بالمؤسسات الخاصة التي تعمل وطنيا في مفهوم بلوغها كامل البلاد. اذاعيا نذكر «موزاييك» و«الجوهرة» و«اذاعة القرآن الكريم» وقريبا ستظهر اذاعة خاصة رابعة تبث برامجها انطلاقا من بنزرت واسمها «أمواج». وتلفزيا نذكر مؤسسة قناة «حنبعل» الخاصة، ويمكن اضافة قناة «نسمة تي.في» التي تحمل الصفة المغاربية، ويكثر الحديث حاليا عن امكانية ظهور تلفزة اخرى على ملك خواص وتحمل اسم تلفزة «تونس واحد» أو تلفزة «تونس الاولى» وأدعو اصحابها الى النظر في هذا الاسم اذ انه لا يمثل الحقيقة التاريخية وهذه مسألة اخرى قد نبحث فيها عندما نعلم رسميا بدخول المشروع حيز التنفيذ. لقد أدخلت المؤسسات الاذاعية والتلفزية الخاصة حركية في المشهد الاعلامي السمعي البصري وتمكنت من اعطاء نكهة اخرى للاعلام وشكلا آخر للوجه الثقافي بكل تفرعاته الأدبية والفنية والعلمية، واذا تحدثنا عن المتغيرات الكبرى لا يمكن أن ننسى ما قامت به «موزاييك» في المشهد السمعي، يمكن أن ننقد هذه الاذاعة ويمكن أن لا نكون مساندين للرؤية التي تنطلق منها، لكن أبدا لا يمكن أن ننسى دورها في كسر ظهر الاعلام الواحد واللغة الواحدة والاسلوب الواحد. كما لا يمكن أن ننسى فضل قناة حنبعل الخاصة لصاحبها العربي نصرة التي كانت صاحبة الصورة الاولى التي اخرجت الاعلام البصري التونسي من وحدانيته الى تعدده ومن تكلسه الى حيويته مما جعل قناة تونس7 تشعر بالحرج الكبير لأن هناك قناة جديدة اسمها حنبعل قادرة على منافستها وارباكها فسارعت باجراء ترميمات كثيرة على وجهها وعلى اسلوبها وهذا أمر مهم، بل رائع من أجل التفوق والامتياز والتميز، فنحن من انصار المنافسة ونتمنى أن تتواصل هذه المنافسة وتصبح شديدة في نطاق الشرعية والقانون لأن ذلك من شأنه أن يكون مفيدا للاعلام التونسي ومفيدا للمواطنين الذين يحبون التعدد الاعلامي لأن فيه رحمة للجميع. ولذا لم يعد من الضروري أن تحمل مؤسسة الاذاعة صفة الوطنية.. وليس من الضروري ايضا أن تواصل الاذاعة الوطنية تحمل أعباء هذه الصفة لوحدها. علينا أن نعترف بأن كل الاذاعات والتلفزات العمومية والخاصة وطنية ولا يمكن أن توصف واحدة منها أنها وطنية والأخرى خاصة، وكأن الخواص ليسوا وطنيين أو كأن الخواص غير قادرين على تغطية كامل الوطن اذاعيا وتلفزيا. يمكن أن نختلف مع الخواص، كما يمكن أن نختلف مع المؤسسات العمومية ولكن الاختلاف لا يعني الخلاف وهو ما يجب أن يكون قائما بيننا جميعا. وبالتالي نقترح بأن تتخذ الاذاعة الوطنية بداية من اليوم اسما آخر كأن تصبح «اذاعة تونس» أو «صوت تونس» تماما مثل التلفزة، فالتلفزة الوطنية غادرت القاموس الاعلامي منذ أن أصبحت الفضائية التونسية الرسمية تحمل اسم «قناة تونس7» وانطلقت تلفزة عمومية ثانية باسم «قناة 21» للشباب. فإذا كانت قناة تونس7 لم تعد تذكر صفة الوطنية لا بمفهوم الوطنية الروحية ولا بمفهوم المركزية الرسمية ولا بمفهوم العمومية، فانه من المفروض أيضا أن تغير الاذاعة العمومية المركزية اسمها لصالح اسم آخر يكون معبرا وجميلا مثل «اذاعة صوت تونس». ونقول من جديد: كل اذاعاتنا وتلفزاتنا وطنية وعلينا أن نتعامل معها بصفاتها القانونية، فالاذاعات والتلفزات التي تشرف عليها الدولة هي ملك للدولة، أي أنها مؤسسات عمومية والاذاعات والتلفزات الخاصة هي ملك للخواص أو لشركات أو جمعيات مدنية كما قد يظهر في قادم الأيام. وما نطلبه من الجميع: مؤسسات عمومية ومؤسسات خاصة هو العمل الجدي من أجل تونس، من أجل تقدمها ومن أجل صورة مشرقة لها، فالواضح أن المشهد الاعلامي يتطور، والمطلوب هو المنافسة الحرة والساخنة والشرعية من أجل الأفضل والأرقى والأحسن على درب سلطة رابعة مقتدرة.