مرة اخرى تتصدر الولاياتالمتحدة المرتبة الاولى عالميا في تجارة السلاح تليها روسيا فبريطانيا والصين وفرنسا حيث كشف احدث تقرير للكونغرس بالامس ان امريكا واصلت الحفاظ على مركزها الاول في تجارة السلاح بسيطرتها على 42 بالمائة من حجم السوق خلال سنة 2006 وهو رقم لا يستهان به وان سجل بعض التراجع عن العام السابق... ورغم ان التقرير الذي صدر تحت عنوان "نقل الاسلحة التقليدية الى الدول السائرة في طريق النمو" لم يحمل في طياته مفاجاة تذكر ولم يكشف جديدا في واقع تجارة الموت وما تجلبه من خراب ودمار وما تسببه من تخلف في حياة الكثير من الشعوب فقد جاء ليعيد تسليط الاضواء على احدى القضايا الامنية والسياسية والاخلاقية الاكثر تعقيدا في العلاقات بين الدول الصناعية الكبرى المصدرة للسلاح وبين بقية دول العالم الثالث التي تستنزف ثرواتها وعائداتها المالية والنفطية لهثا وراء صفقات التسلح التي تؤجج الصراعات والنزاعات العرقية والقبلية والحروب في نفس الوقت الذي تفتقر فيه شعوبها لاسباب الحياة الكريمة ولفرص التعليم والاستشفاء ويموت اطفالها بسبب امراض واوبئة كان العالم يعتقد انها اندثرت نهائيا من الخارطة. ولعل اكثر ما يمكن ان يدعو للاثارة في هذا التقرير انه ياتي ليكشف ان الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي وهي التي يفترض ان تكون الاكثر حرصا على الامن والسلم في العالم تواصل الحفاظ على ترتيبها التقليدي في تجارة السلاح وتبقى الاكثر استفادة والاكثر تمعشا من هذه التجارة التي درت عليها اكثر من 31 مليار دولار سنة 2005. واذا كان نصيب واشنطن من صفقات السلاح الموجهة الى الدول السائرة في طريق النمو قدر باكثر من عشرة مليارات السنة الماضية فان نصيب روسيا التي تاتي في المرتبة الثانية قدر بثمانية مليارات دولار مقابل اكثر من ثلاث مليارات لفائدة بريطانيا تليها الصين وفرنسا. لقد كانت صناعة السلاح ولاتزال تجارة مربحة للدول الكبرى لفرض سياساتها وسيطرتها على الاضعف وبالاضافة الى ما تدره على اصحابها من ارباح فانها تساعد اولا على بقاء مصانع السلاح مفتوحة ومتطورة ثم ان في انتشار النزاعات والحروب ما يضمن استمرار صفقات السلاح التقليدي وحتى غير التقليدي وما يضمن ايضا توفر الفرصة لاختبار ما يقع انتاجه من انواع جديدة للسلاح والقنابل وما يفتح المجال لتطويرها وتحسين قدراتها بما يضمن التفوق الكلي والمستمر للذين يسيطرون على هذه الصناعة . اما العنصر الثالث الذي لا يمكن تجاهله فهو يبقى مرتبطا بالنوايا الخفية والمعلنة للدول المصدرة للسلاح التي تبقى اشبه بمحاولة مدروسة لاقتسام الادوار فكما تحرص روسيا على تزويد الدول المعادية لواشنطن بالسلاح فان واشنطن بدورها تحرص على تزويد اعداء روسيا بما يسعون للحصول عليه من اسلحة مدمرة وكذلك الامر بشان بقية الاطراف المعنية حتى تبقى تجارة السلاح مصدرا لا ينضب للارباح والكسب على حساب الشعوب المستضعفة التي قد يتورط قادتها في احيان كثيرة في صفقات بمليارات الدولارات ولكنها صفقات لا تشمل غير انواع من الاسلحة التي تجاوزها العصر كما هو حال اغلب الدول العربية النفطية منها او غير النفطية... وسيكون من الطبيعي في مثل هذا المناخ ان تتفتح شهية دول كثيرة قد تشعر بالانشغال والخوف على امنها واستقرارها لتخصيص جزء اساسي من ميزانياتها لاقتناء مختلف انواع الاسلحة وهو ما يؤكده التقريرالذي كشف ان حربي العراق وافغانستان ادتا الى انتشار حمى التسلح في الدول المجاورة التي باتت تخشى من اندلاع حرب جديدة في المنطقة كل ذلك دون اعتبار لما تخصصه الادارة الامريكية من دعم عسكري سنوي لفائدة اسرائيل وهو سبب اخر من شانه ان يؤجج سباق التسلح بكل ما يخفيه من انعكاسات وسيناريوهات كارثية على الشعوب والمجتمعات لتبقى بذلك مختلف اللقاءات والندوات التي تدعو للحد من التسلح مجرد شعارات لتبرئة ذمم وضمائر اصحاب الصفقات العسكرية القاتلة....