مع انه لم يحمل في طياته مفاجاة تذكر ولم يكشف في تقريره عن سر فقد جاء التقرير السنوي للمعهد الدولي للسلام بستكهولم ليطلق صيحة فزع بشان حجم نفقات التسلح في العالم واستمرار السباق من اجل الحصول على اسباب الموت والخراب والدمار في اكثر مناطق العالم حساسية واشدها توطئة للصراعات وهي منطقة الشرق الاوسط، كل ذلك في وقت ما انفك فيه مسؤولو البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يحذرون من كارثة انسانية حقيقية نتيجة تداعيات الازمة الاقتصادية على الدول الاكثر فقرا والتي اذا ما اضيفت اليها الانعكاسات المحتملة لانفلونزا الخنازير فانها قد تكون الاسوا على الاطلاق منذ عقود طويلة... ولعله من المتناقضات الصارخة انه في الوقت الذي يسجل فيه العالم موت طفل افريقي على الاقل كل ثلاثين ثانية بسبب الجوع فان تجارة الموت تحظى بنحو 1339 مليارا من النفقات فيما يقدر الخبراء بان تخصيص واحد في المائة مما ينفق على السلاح بامكانه القضاء على الازمة الغذائية في العالم... واذا كانت الولاياتالمتحدة قد استاثرت كالعادة بنصيب الاسد وحافظت على طليعة الترتيب في قائمة الدول المزودة للدول النامية بالمعدات العسكرية بنسبة 31 في المائة من صادرات العالم تليها روسيا بنسبة 25 بالمائة ثم المانيا التي احتلت المرتبة الثالثة بعشرة في المائة، فان منطقة الشرق الاوسط قد استفردت بنحو 38 بالمائة من تلك الاسلحة في الفترة بين 2004 و2008 مقارنة بالسنوات الخمس الماضية وهو ما من شانه ان يثير الكثير من نقاط الاستفهام حول حقيقة وابعاد ونوايا الجهود الدولية التي تدعي الدول الكبرى انها تبذلها من اجل تحقيق اهداف الالفية المعلنة سنة 2000 للقضاء على الفقر والجوع والمرض في العالم بحلول سنة 2015 بل وتهيئة اسباب الامن والسلم لكل شعوب الارض لاسيما تلك التي لم تعرف اجيال متعاقبة منها غير التشرد وحياة الملاجئ نتيجة الحروب والصراعات الدموية. ولعل في حصول نحو عشرين بلدا من افقر دول العالم على 1.37 في المائة من صفقات السلاح في الفترة بين 2003 و2007 وهي نسبة لا يستهان بها من مواردها الحيوية ومن النفقات المخصصة لمخططات التنمية والاصلاح الاقتصادي وبرامج التعليم في تلك الدول المعنية ما يؤكد ايضا ان وجه العالم لن يتغير قريبا وذلك يعود الى مائة شركة من شركات الصناعة الحربية التي تضم خمسا واربعين شركة حربية امريكية وثلاثا وعشرين شركة اوروبية وثلاثا وعشرين شركة من بقية انحاء العالم الامر الذي من شانه ان يؤكد أنّ استثمارات الدول الكبرى في صفقات السلاح القاتلة لن تتوقف قريبا بل ان الارجح انها ستكون المخرج لها من الازمة الاقتصادية العالمية وهو ما يعني ضمنيا ان التهديدات والمخاطر والجذور المغذية للصراعات لن تنطفئ قريبا وستظل متاججة بما يكفل استمرار عجلة المصانع الحربية وضمان انتشار سلعها القاتلة...