سواء كانت التحذيرات التي تلقاها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجود مخطط ارهابي لاغتياله قبل توجهه الى ايران صحيحة او مفتعلة، وسواء كان الهدف من تلك التحذيرات دفع الكرملين الى إلغاء الزيارة، او سواء اريد لتلك الزيارة ان تكون منطلقا لمزيد من التفاهم بين طهران وموسكو وتفعيلا لموقعها في المنطقة.. فقد حملت الزيارة في طياتها اكثر من رسالة الى اكثر من طرف يتطلع الى نتائجها الآنية والمستقبلية وسمحت بذلك مجددا بإثارة ثارة حول طموحات الدب الروسي العائد بعد ان افل نجمه طويلا، وابعاد التحالف الايراني الروسي في منطقة لم تكن واشنطن لتخفي اهتمامها بثرواتها النفطية، ناهيك عن موقعها الاستراتيجي.. ولعل في تاكيد البيان الختامي لقمة الدول المطلة على بحر قزوين برفض أي تدخل اجنبي في المنطقة خطوة مستبقلية مدروسة وردا مباشرا على ما اشيع بشأن محاولات امريكية لاستمالة اذربيجان للقبول بقواعد امريكية على ارضها في حال حسمت واشنطن خيارها العسكري لضرب ايران، مما يعني سحب البساط امام واشنطن على الاقل في هذه المرحلة. والحقيقة ان الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي الى ايران لا تكتسي اهميتها من انها الاولى من نوعها لزعيم للكرملين منذ تلك الزيارة التاريخية التي قام بها ستالين الى ايران للقاء رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت خلال قمة الحلفاء ابان الحرب العالمية الثانية، ومنها زيارة ليونيد بريجنيف قبل اكثر من ثلاثة عقود، ولا ايضا بسبب اشغال القمة الخماسية لدول بحر القزوين التي احتضنتها ايران، ولكن اهميتها تنبع من توقيت هذه الزيارة التي تاتي بعد المحادثات الروسية الامريكية الفاشلة بشان الدرع الصاروخي الامريكي في اوروبا الشرقية، وتتزامن ايضا مع سلسلة من الاحداث التي لا يمكن ان تمر دون ان تثير الاهتمام في اوروبا، ناهيك عن اثارة اهتمام امريكا التي تتطلع بكل طاقاتها الى ما ستفرزه هذه الزيارة من تحولات في مواقف روسيا من الملف النووي الايراني وتاثيرات ذلك على الموقف الاوروبي والصيني مستقبلا.. ولا شك ان للانباء التي تسربت بشان صفقة عسكرية روسية ايرانية من شأنها ان تمنح الزيارة ابعادا اخرى في وقت تتفاقم فيه الضغوطات الاوروبية من اجل المزيد من العقوبات على ايران وتفعيل عزلتها عل الساحة الدولية. ظاهريا قد يبدو عنوان القمة الخماسية للدول المطلة على بحر القزوين التي جمعت اذربيجان وتركمستان وكازاخستان وروسياوايران اقتصاديا هدفه دعم التعاون بين الدول المعنية وهو عنوان اساسي لا يستهان به في منطقة تجمع اكثر من ثلث خزانات العالم من الطاقة وتسعى للاستفادة القصوى من ثروات المنطقة وفتح ممر يربطها بالبحر الاسود.. الا ان للقمة ابعادا استراتيجية وامنية وسياسية اكثر طموحا، وكما ان لروسيا مصالحها التي تسعى لتامينها والحفاظ عليها فان لايران ايضا مصالح تسعى لدعمها مع بقية الدول المعنية. زيارة بوتين امس الى طهران ولقائه الرئيس الايراني المثير للجدل بسبب مواقفه التي طالما استفزت الغرب اكدت ان لغة المصالح اقوى واهم من كل القواعد الديبلوماسية والسياسية.. ولا شك ان حسابات بوتين واهدافه وتوقعاته تتجاوز مجرد المشاركة في القمة الخماسية وتتطلع الى مزيد دعم موقع بلاده في المنطقة، ذلك انه عندما يحين موعد رحيل الرئيس الامريكي جورج بوش عن البيت الابيض فان الوقت سيسمح للرئيس بوتين بمواصلة مناوراته السياسية بما يجعله اكثر قدرة على اقناع الراي العام الروسي بعودة روسيا الى مكانتها السابقة على الساحة الدولية لتكون الجدار الاقدر على مواجهة امريكا ووضع حد لسياسة القطب الواحد والخيار الواحد.... ولا شك ان ايران تبقى المستفيد الاكبر من هذه الزيارة على الاقل في الوقت الراهن، فالرئيس الايراني اكثر من يدرك مدى حاجة ايرانلروسيا ومدى حاجة روسيالايران التي تستعد لفتح مفاعل بوشهر النووي، والارجح ان احمدي نجاد لن يقدم خلال لقائه الرئيس بوتين على التصريح بما يمكن ان يثير استياء ضيفه او يتسبب في احراجه او يدعوه لاعادة حساباته مع الغرب.. والارجح ايضا انه سيحرص على تجنب تلك المواقف المسرحية المحرجة التي كان يخرج بها في كل مرة ويثير من خلالها لا سخط الغرب واستهزائه فحسب، ولكن سخط شريحة واسعة من الايرانيين باتت تعتبرها مسيئة لسمعة ايران وعلاقاتها الخارجية.. وفي انتظار الاجتماع المرتقب للوكالة الدولية للطاقة الذرية تبقى العلاقات الايرانية الروسية مفتوحة على كل الاحتمالات قبل ان تبوح زيارة بوتين الى طهران بكل اسرارها...