قرطاج وات تولت السيدة ليلى بن علي حرم رئيس الجمهورية رئيسة منظمة المرأة العربية ظهر أمس السبت افتتاح الندوة العربية حول موضوع «من اجل واقع افضل لكبار السن في المنطقة العربية». وتنظم هذه الندوة تونس بالتعاون مع منظمة المرأة العربية ومنظمة الاسرة العربية بمناسبة اول احتفال باليوم العربي للمسنين الذي تم اقراره باقتراح من السيدة ليلى بن علي في سياق رئاستها لمنظمة المرأة العربية ولقي التجاوب والترحيب لدى السيدات العربيات الاوائل وتأييد وزراء الشؤون الاجتماعية العرب ومساندتهم. وتميز هذا الموكب بتسلم السيدة ليلى بن علي «درع الريادة الاسرية» لمنظمة الاسرة العربية تقديرا لمبادراتها واسهاماتها في خدمة الاسرة العربية. كما تولت رئيسة منظمة المرأة العربية تكريم مجموعة من السيدات العربيات الرائدات في العمل التنموي التطوعي اللائي تزخر مسيرتهن بالبذل والعطاء. وتم الاستماع خلال موكب افتتاح الندوة الى محاضرتين لكل من الدكتور زهير حطب من لبنان والدكتور سعيد حجام من تونس تناولتا بالتحليل واقع كبار السن في المنطقة العربية وسبل تطويره. وألقت السيدة ليلى بن علي بالمناسبة كلمة بينت فيها ان الرعاية الشاملة والناجعة هي التي تتيح للمسنين العيش في شيخوخة سليمة ونشيطة تتكامل الادوار في الاحاطة بها بين الاسرة والدولة ومكونات المجتمع المدني. واكدت ان تأثيرات التحولات البارزة في القيم وفي أنماط العلاقات الاجتماعية في الحياة اليومية للمسنين وفي رعايتهم والاحاطة بهم تدعو اليوم الى صياغة رؤية واقعية استشرافية لاحكام الاستعداد لمجابهة هذه التحولات والحد من انعكاساتها السلبية على المجتمعات العربية ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا. واوضحت رئيسة منظمة المرأة العربية انه من الضروري العمل على ضمان حق كل جيل من الجنسين في الصحة والتنمية والعيش الكريم وفي التمتع ببرامج تثقيفية وترفيهية تتلاءم مع خصوصياته موضحة ان توازن المجتمع وازدهاره لا يتحققان الا اذا شملت العناية والرعاية سائر الافراد والفئات والاجيال من الجنسين. كما دعت منظمة المرأة العربية الى وضع سجل للكفاءات النسائية العربية من كبار السن من أجل المحافظة على الذاكرة النسائية والذاكرة الجماعية العربية والاستفادة من خبرات المسنات المتميزات في مختلف المجالات والاختصاصات مشيرة الى اهمية العمل على تشريك هذه الكفاءات من المسنات في بعض الانشطة التي تنفذها المنظمة حتى يقدمن الاضافة المرجوة من معارفهن الغزيرة وخبراتهن العملية. وابرزت حرم رئيس الجمهورية مراهنة تونس منذ التحول على احكام التعامل مع التحولات الديمغرافية وتحقيق التوازن بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي في عملية التنمية في مجتمع تونسي تميزت تركيبته الديمغرافية في السنوات الاخيرة بارتفاع نسبة كبار السن الى 7 بالمائة. وبينت ان عناية الرئيس زين العابدين بن علي بكبار السن تندرج ضمن قناعة راسخة بان الانسان هو أساس التنمية وبأن الاحاطة به وحفظ كرامته وتمكينه من ممارسة حقوقه والقيام بواجباته في نطاق المساواة والعدالة تعد كلها عوامل أمان واستقرار وازدهار في المجتمع. وبعد استعراض مختلف اوجه الرعاية والاحاطة التي يحظى بها كبار السن في تونس وما تم وضعه لفائدتهم من تشاريع واحداثه من هياكل واقراره من برامج ابرزت السيدة ليلى بن علي ما خصت به هذه الفئة في البرنامج الرئاسي 2009/2014 من عناية على مستوى الرعاية الصحية والاحاطة الاجتماعية وتعزيز قدراتها في الاسرة والمجتمع وذلك في ظل رؤية استشرافية تأخذ في الاعتبار تطور هيكلة السكان وتطلعات المجتمع التونسي وحاجياته وتعمل على تأمين شيخوخة نشيطة في ظروف صحية واجتماعية ملائمة. ولاحظت ان النهوض بكبار السن في المجتمعات العربية يستوجب رصد أوضاع المسنين في المنطقة واصدار تقرير سنوي بشأنها تراعى فيه مختلف التحولات وما تتطلبه من يقظة وتقييم ومتابعة. واكدت ان المجتمعات العربية تعيش اليوم تحت تأثير تيارات فكرية ومظاهر سلوكية دخيلة تهدد قيمها الاجتماعية الاصيلة وهو ما يدعوها أكثر من أي وقت مضى الى التشبث بهذه القيم واثرائها والمحافظة على قرابة النسب وصلة الرحم والتواصى بالتعاطف والتآلف وبروابط المحبة والتآزر والى عدم التخلي عن الكبار والمسنين. وحضر الموكب عضوات الحكومة وسامي الاطارات النسائية الوطنية وممثلو المنظمات والجمعيات المهتمة بالمسنين في تونس الى جانب المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية ورئيس منظمة الاسرة العربية وعدد من الخبراء العرب المشاركين في الندوة ومن ضيوف تونس. وفي ما يلي نص كلمة السيدة ليلى بن علي: «بسم الله الرحمان الرحيم معالي الدكتورة ودودة بدران المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية، حضرة الاستاذ جمال بن عبيد البح، رئيس منظمة الاسرة العربية، السيدات والسادة ضيوف تونس الكرام، حضرات السيدات والسادة، يسعدني أن أتولى على بركة الله افتتاح أشغال هذه الندوة العربية التي تنظمها تونس بالتعاون مع منظمة المرأة العربية ومنظمة الاسرة العربية تحت شعار «من أجل واقع أفضل لكبار السن في المنطقة العربية». وأرحب بسائر الخبراء العرب المشاركين في هذه الندوة. كما أتوجه بتحيتي إلى هذا الجمع الكريم من السيدات العربيات الرائدات في العمل التنموي التطوعي، اللاتي نفتخر بمسيرتهن الزاخرة بالبذل والعطاء. وأعرب عن اعتزازي الكبير بتكريمهن في هذه المناسبة التي تحتضنها بلادنا في أول احتفال باليوم العربي للمسنين وهو اليوم الذي اقترحنا إقراره في سياق رئاستنا لمنظمة المرأة العربية، ولقي التجاوب والترحيب لدى شقيقاتنا السيدات العربيات الاوائل، كما حظي بتأييد السادة وزراء الشؤون الاجتماعية العرب ومساندتهم، وذلك اعترافا بالجميل لاجيال تفانت في العمل، وفي خدمة أوطانها، وتأكيدا منا للمنزلة التي يجب أن يستأثر بها كبار السن، من النساء والرجال، في الاسرة والمجتمع. وأتوجه بهذه المناسبة بالشكر والثناء إلى الدكتور زهير حطب من لبنان، والدكتور سعيد حجام من تونس، على محاضرتيهما القيمتين، وتحليلهما المعمق لواقع كبار السن في المنطقة العربية وسبل تطويره. وأشكر كذلك منظمة الاسرة العربية على اسنادها إليٌ «درع الريادة الاسرية»، مقدرة مبادرتها الكريمة، وحرصها الدؤوب على اثراء اسهاماتها في خدمة الاسرة العربية بمختلف افرادها وأجيالها، وأكبر في الان نفسه، ما جاء في كلمة رئيسها من مشاعر لطيفة تجاهنا وتجاه بلادنا وقيادتها. وأعتقد ان هذا الحضور المميز، يؤكد العناية البالغة التي توليها الهياكل والمؤسسات الحكومية والمنظمات الاقليمية والعربية، لاوضاع كبار السن، وما تستحقه من اهتمام ومتابعة، لاسيما أن مجتمعاتنا تضم اليوم حوالي خمسة عشر مليون مسن. وهو رقم مرشح للارتفاع الى 40 مليون في افاق عام2050، بما يطرح على مجتمعاتنا العربية تحديات كبيرة في ظل المستجدات العالمية المقبلة. إن عصرنا يشهد تحولات بارزة في القيم وفي أنماط العلاقات الاجتماعية، تؤثر في الحياة اليومية للمسنين وفي رعايتهم والاحاطة بهم. وهو ما يدعونا إلى صياغة رؤية واقعية استشرافية، نحكم بها استعداداتنا لمجابهة هذه التحولات، والحد من انعكاساتها السلبية على مجتمعاتنا، ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا. وقد أضحى من الضروري ونحن أمة تنشد الامان والازدهار وتحرص على ترابط الاجيال، أن نعمل على ضمان حق كل جيل من الجنسين، في الصحة، والتنمية، والعيش الكريم، وفي التمتع ببرامج تثقيفية وترفيهية تتلاءم مع خصوصياته. فتوازن المجتمع وازدهاره، لا يتحققان إلا اذا شملت العناية والرعاية سائر الافراد والفئات والاجيال من الجنسين. وأشير في هذا السياق، إلى ضرورة مراعاة أوضاع النساء من كبار السن في مجتمعاتنا العربية، لان النهوض بأوضاعهن والرفع من منزلتهن، جزء لا يتجزأ من النهوض بأوضاع المرأة العربية والرفع من منزلتها. وهو ما يدعونا إلى مقاومة كل أشكال التمييز بين كبار السن من الجنسين، لاسيما فيما يخص الرعاية الصحية، والحماية الاجتماعية، والضمان الاجتماعي. ويتعين علينا أن نأخذ في الاعتبار كذلك، وضعيات كبار السن من النساء اللواتي يحتجن أكثر من غيرهن إلى الاحاطة والمساندة، لانهن معرضات إلى مخاطر الاهمال والحرمان والعزلة. وتتطلب بعض الاوضاع التي تمر بها اليوم منطقتنا العربية، اتخاذ مبادرات فعالة، لمعالجة الاثار السلبية للنزاعات المسلحة والتهجير القسري والعنف المسلط على المسنين عامة وعلى النساء المسنات خاصة. وأوصي في هذا المجال لجنة المرأة العربية للقانون الدولي الانساني، بالعمل على توسيع مجالات الحماية وتعزيزها بالنسبة إلى المسنين، وادراجها ضمن برامجها للفترة القادمة. وإن ارتفاع مؤمل الحياة في مجتمعاتنا العربية، يدفعنا أيضا إلى وضع برامج خصوصية لكبار السن تنقذهم من العزلة والفراغ والرتابة، وتتيح لهم التمتع بحياة نشيطة. فلا بد أن نوفر لهم مجالات الاستفادة من الاساليب المستحدثة للترفيه والاتصال والتثقيف والترويح عن النفس، عبر مختلف البرامج التي تسهر على إعدادها المؤسسات والجمعيات المعنية، ففي ذلك، أثر بالغ في تحقيق التوازن النفساني والذهني لدى المسنين من الرجال والنساء، على حد السواء. كما أدعو منظمة المرأة العربية إلى وضع سجل للكفاءات النسائية العربية من كبار السن، من أجل المحافظة على الذاكرة النسائية العربية، والاستفادة من خبرات المسنات المتميزات في مختلف المجالات والاختصاصات، حفاظا على الذاكرة الجماعية العربية من الضياع والتلاشي. ويستحسن في هذا النطاق، العمل على تشريك هذه الكفاءات من المسنات في بعض الانشطة التي تنفذها المنظمة، حتى يقدمن الاضافة المرجوة من معارفهن الغزيرة وخبراتهن العملية. حضرات السيدات والسادة، إن الرعاية الشاملة والناجعة، هي التي تتيح للمسنين العيش في شيخوخة سليمة ونشيطة، تتكامل الادوار في الاحاطة بها بين الاسرة والدولة، ومكونات المجتمع المدني. ومن بواعث الاعتزاز، أن تونس راهنت منذ تحول السابع من نوفمبر 1987 على احكام التعامل مع التحولات الديمغرافية وتحقيق التوازن بين البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي في عملية التنمية، في مجتمع تميزت تركيبته الديمغرافية في السنوات الاخيرة بارتفاع نسبة كبار السن ممن بلغوا الخامسة والستين من العمر، إلى 7 بالمائة. وقد تمكنا بفضل وعي بلدنا بأهمية الاستثمار في القطاعات التربوية والصحية والاجتماعية والاقتصادية، من الارتقاء بمعدل مؤمل الحياة عند الولادة إلى حوالي 75 عاما. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 79 عاما سنة 2024، وإلى 80 عاما سنة 2029. وتندرج عناية الرئيس زين العابدين بن علي بكبار السن ضمن اقتناعه الراسخ بأن الانسان هو أساس التنمية، وبأن الاحاطة به، وحفظ كرامته، وتمكينه من ممارسة حقوقه والقيام بواجباته، في نطاق المساواة والعدالة، تعد كلها عوامل أمان واستقرار وازدهار في مجتمعنا. ولذلك تعددت في تونس أوجه الرعاية لكبار السن في الاسرة والمجتمع. فهم يستأثرون في أسرهم بكل عطف وإحاطة وتقدير، بفضل ما نملك في تراثنا الديني والثقافي والاجتماعي من أصول تربوية عريقة في مجال التآلف والتضامن. وقد استندت سياسة تونس في الميدان الاجتماعي على دعم هذا الوازع الانساني لدى المواطنين والمواطنات، من خلال التشجيع على بقاء المسن بوسطه العائلي، واللجوء عندما تنعدم امكانيات الرعاية والاحاطة، إلى فتح دور خاصة بالمسنين تتكفل بها الدولة. كما تجلى الحرص على العناية بهذه الفئة من مجتمعنا، في تعزيز الهياكل المعنية برعاية المسنين، وفي إصدار عديد القوانين والنصوص الترتيبية في الغرض، أبرزها التنقيحات التي أدخلت على مجلة الاحوال الشخصية سنة 1993، واقرار الصبغة الالزامية لنفقة الابناء على الابوين وعلى الاصول من جهتي الاب والام. وشهدت المنظومة التشريعية التونسية سنة 1994 اصدار قانون يضمن جملة من المبادئ العامة التي تضبط حقوق المسن داخل الاسرة والمجتمع، وتؤكد دور الاسرة في رعايته والاحاطة به. وتم اقرار عدة برامج للمساعدات والمنح القارة لفائدة المسنين المعوزين المقيمين مع أسرهم. كما تم بعث برنامج وطني يعنى بصحتهم. وأدرجت مادة طب الشيخوخة في برامج مدارس الصحة المهنية، علاوة على تنظيم دورات تكوين مستمر للاطار الطبي وشبه الطبي، في ميدان طب الشيخوخة. وأحدث سنة 2003 سجل وطني للكفاءات من كبار السن من الجنسين للاستفادة من خبراتهم، وفتح آفاق رحبة أمامهم للتطوع والنشاط، والاندماج في العمل الجمعياتي. وحظيت فئة المسنين في البرنامج الرئاسي 2009-2014 بالعناية التي تستحقها على مستوى الرعاية الصحية والاحاطة الاجتماعية، وتعزيز قدراتها في الاسرة والمجتمع، وذلك في ظل رؤية استشرافية تأخذ في الاعتبار، تطور هيكلة السكان وتطلعات المجتمع التونسي وحاجياته، وتعمل على تأمين شيخوخة نشيطة في ظروف صحية واجتماعية ملائمة. حضرات السيدات والسادة، إن النهوض بكبار السن في مجتمعاتنا يستوجب رصد أوضاع المسنين في منطقتنا العربية، واصدار تقرير سنوي بشأن هذه الاوضاع تراعي مختلف التحولات العميقة التي نحن مقبلون عليها، وما تتطلبه من يقظة، وتقييم، ومتابعة. وإذا كانت مجتمعاتنا العربية تعيش اليوم تحت تأثير تيارات فكرية ومظاهر سلوكية دخيلة تهدد قيمنا الاجتماعية الاصيلة بالتراجع والاضمحلال، فإننا مدعوون أكثر من أي وقت مضى، إلى التشبث بهذه القيم واثرائها، حتى تبقى ملكة وجبلة في أنفسنا جيلا بعد جيل. فنحافظ على قرابة النسب وصلة الرحم، ونتواصى بالتعاطف والتآلف وبروابط المحبة والتآزر، ولا نتخلى عن كبارنا ومسنينا، لانهم قطعة منا، وأصل من وجودنا، وأصحاب الفضل علينا. إننا أمة جعلت من البر بالوالدين ومن رعاية كبار السن، واجبا على سائر أفراد العائلة. كما أن قيمنا الروحية، ومبادئنا الاخلاقية، وتقاليدنا الاجتماعية، تأبى علينا أن نعيش ما نراه اليوم في بعض البلدان من ظواهر تفكك الاسرة وتخليها عن دورها ومسؤولياتها. وهو ما يحفزنا إلى تعميق الوعي بتراثنا الاجتماعي الاصيل وبمقوماته النبيلة، حتى نتداولها ونحافظ عليها، دائما وأبدا. ويقيني أن هذه الفضائل الاجتماعية العريقة، هي التي كانت عاملا جوهريا في المحافظة على كيان الاسرة العربية وضمان توازنها وتكافلها، وبقاء روح التلاحم والتضامن حية متجددة بين أفرادها. لذلك ينبغي أن نعمل في كل الاحوال والظروف، على أن تكون العناية بكبار السن ورعايتهم، قاعدة أساسية للتواصل والترابط بين الاجيال. وإني واثقة بأن لقاءكم هذا، سيكون فرصة سانحة لاستنباط تصور شامل للاحاطة بكبار السن في مجتمعاتنا العربية، يواكب التغيرات الحضارية للعصر، ويتمسك بمقوماتنا الدينية والثقافية والاجتماعية. أجدد في الختام، ترحيبي بكم جميعا، راجية لكم إقامة طيبة بيننا، ولأعمالكم التوفيق والنجاح. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».