* «سرّاجان» فقط «أفلتا» من قبضة الاندثار... لكن إلى متى؟ تونس - الصباح - ثناء التجوال بأرجاء صالون الفلاحة والصيد البحري وفي أحد أركان الفضاء الخاص بالمؤسسة الوطنية لتحسين وتجويد الخيل انتصب السرّاج عبد الكريم الحسني وسط أكوام معداته البسيطة ومعروضاته من مختلف الأسرجة المطرّزة والعادية في محاولة للتعريف بهذه المهنة التي لم يبق منها إلا الاسم الذي يحمله أحد الأنهج بالمدينة العتيقة وتلاشت الصنعة بعد اقتحام المحرك الآلي حياتنا اليومية وحكم على الخيول بالتحرك فقط داخل ملاعب السباق والفروسية... مع صاحب هذه الصنعة الحرفية الوحيد بالعاصمة إلى جانب سرّاج ثان فقط يتواجد بالقيروان التقت «الصباح» السرّاج عبد الكريم الحسني وقد حدثنا بمرارة وتحسر عن أفول نجم صنعة الآباء والأجداد بل واندثارها بعد أن اقتصر عدد «متعاطيها» على أقل من أصابع اليد الواحدة.
أفول مهنة محدثنا ورث هذه المهنة أبا عن جد وقد دخلت تجربته في المجال عقدها الثالث يقول بحنين واضح وقد استحضر ذكريات ماض جميل.. كانت مهنتنا مزدهرة الكل يقبل عليها مادامت الحاجة لركوب الخيول قائمة وتمثل مورد رزق عديد العائلات... وباعتزاز لم تخفه ملامح وجهه أضاف كان السرج رمز التونسي حتى أنه إلى غاية مطلع الثمانينات ظل يقدم كهدية تذكارية لضيوف تونس من رؤساء الدول الأجنبية واستظهر لنا بوثيقة تؤكد حصول عديد الرؤساء والملوك على سروجا مطرزة بالفضة. وللدلالة على مكانة مهنة السراجين ماضيا أوضح بفخر أن جده تحصل على جائزة سنة 1936 في هذا الاختصاص وتسلم والده الجائزة الأولى للصناعات التقليدية سنة 1981. ورغم ما حدث بمهنته من طمس واندثار حرص عبد الكريم جاهدا على تكوين ثلة من الشبان في هذا الاختصاص لكن العزوف والانقطاع السريع كان دائما في انتظاره لعدم رغبة أو تحمس الناشئة لتعلم صنعة لا يوجود ما يبررها في حياتنا اليومية المعاصرة ولا توفر الكسب لأصحابها فكيف تمكن سراجنا المتيّم بحب مهنة الآباء على التمسك بصنعته ولمن يروج منتوجه مادامت سوقه قد أفلت تماما؟
لولا السيّاح... لم يخف عبد الكريم جسامة المسؤولية وصعوبتها واعتبرها مغامرة لكن حبه وتعلقه بالسروج واحترامه لجهو أجداده في المجال طوال عقود يدفعه دوما للعمل على إحيائه وإعادة الحياة لها وللأسف فإن منتوجه لا يتوجه إلى التونسي حتى كصناعة تقليدية بل إلى الأجانب والسياح الذين يمثلون أبرز حرفائه. يذكر أن صنع سرج مطرز من الفضة يستغرق وقتا طويلا قد يدوم 6 أشهر في حين أن السرج العادي يتطلب شهرين وهي كما نلاحظ مدة طويلة تستوجب من صاحبها سعة البال والصبر والنفس الطويل. لكن هل يكفي السرج بمفرده لتأمين مورد رزق لعائلته؟ لا- يقول عبد الكريم الحسني - هذا مستحيل لذا لا بد من البحث عن منافذ أخرى للعيش ومن ذلك مجال التطريز في اللباس التقليدي من «فوطة وبلوزة» وقفازات الحنة للعرائس. فما الحل إذن لرد الاعتبار لهذه المهنة وبث الحياة فيها من جديد؟
رد الاعتبار... ... أهم تحرك لرد الاعتبار للسروج والسرّاجين يتمثل حسب مقترح صاحبنا في المراهنة على مهرجانات الفروسية وبدل إسناد جوائز مالية عند تنظيم المسابقات ارتأى استبدال ذلك بتقديم سرج للفائز ويكون ذلك حافزا للتقدم بهذه المهنة وضمان استمراريتها.. فما رأي المشرفين على هذه التظاهرات وما رأي ديوان الصناعات التقليدية فيما حل بهذه الصنعة التقليدية من اندثار...؟ إننا نخشى أن نواجه بجواب سلبي مفاده «تغيير السروج فيه راحة»..