رئيس الجمعية التونسية للقانون الاجتماعي ل«الصباح»: «العُمّال والأعراف هم الآن في طريق واحد.. ولا خيار أمامهم سوى الجري».. تونس الصباح:منذ قمة كوبنهاقن العالمية للتنمية الاجتماعية سنة 1996 والكل يتحدث عن مخاطر العولمة ويقولون إنه بقدر ما تحمله في طياتها من آفاق جديدة لتطوير الاقتصاد العالمي وتوفير المزيد من مواطن الشغل.. فإنها تهدد مكاسب العمال ويذهبون إلى أن الحماية الاجتماعية للقوى العاملة ستتقلص وستتزايد معها أشكال الحرمان والإقصاء والتهميش الاجتماعي وستتراجع الأجور وسيتدنى مستوى العيش.. ودفع هذا الأمر الكثير من الدول إلى إدخال تعديلات عديدة على التشريع الاجتماعي وإكسابه المرونة الضرورية.. وأصبح مصطلح "المرونة" هذا مستعملا بكثافة في المنابر الفكرية التي تهتم بدراسة القوانين الاجتماعية في تونس وفي العالم.. ومن بين هذه المنابر "الجمعية التونسية للقانون الاجتماعي والعلاقات المهنية" التي يرأسها الأستاذ والوزير السابق للشؤون الاجتماعية محمد الناصر.. وقد بادرت هذه الجمعية أمس بتنظيم ملتقى إفريقي حول مسألة: "تحرير التجارة العالمية والقانون الاجتماعي بإفريقيا" وذلك بالتعاون مع مكتب العمل الدولي والجمعية الفرنسية للقانون الاجتماعي.. وبالمناسبة تحدثنا إلى الأستاذ محمد الناصر والأستاذ الصادق بالحاج حسين ممثل منظمة العمل الدولية وتبينا من خلال كلامهما أن القوانين التي تحمي العمال لن تبقى على حالها وأفادنا رئيس الجمعية التونسية للقانون الاجتماعي أن "العمال والأعراف هم الآن في طريق واحد.. في مسلك واحد.. في مركب واحد.. وليس أمامهم من خيار سوى الجري والجري لأن البقاء لن يكون إلا للأكثر صمودا..» وشدد ممثل منظمة العمل الدولية على أن "وضعية العمال الذين ينشطون في القطاع غير المنظم وخاصة في التجارة الموازية والخدمات والعمل المنزلي والفلاحة هشة.. وأن القطاع غير المنظم هذا في حاجة ملحة إلى التنظيم".. وإليكم التفاصيل في هذه الورقة. وتجدر الإشارة إلى أن السيد علي الشاوش وزير الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج بين خلال افتتاح هذا الملتقى الذي ستتواصل أشغاله بحضور عدد هام من الخبراء إلى مساء اليوم أنه "في ظل تحرير التجارة العالمية تخلت غالبية الدول عن نظام الاقتصاد المحمي واعتمدت الاقتصاد الحر الذي أملى عليها بدوره انتهاج خيارات جديدة من أجل إكساب المؤسسات الاقتصادية القدرة التنافسية الكافية والبحث في الوسائل التي تمكن من الرفع من الإنتاج والإنتاجية وتحسين الجودة والضغط على الكلفة". وأضاف أن تونس أدركت جسامة التحديات المطروحة في قطاع الشغل.. وعملت على توسيع مظلة التغطية الاجتماعية التي تشمل مختلف الفئات العاملة ومن المؤمل أن تصل نسبة التغطية الاجتماعية إلى 95 بالمائة سنة 2009.. كما بلغت نسبة حجم خدمات أنظمة الضمان الاجتماعي على حد قوله 36 فاصل 6 بالمائة من التحويلات الاجتماعية سنة 2006 وهو ما يمثل 6 فاصل 9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.. وذكر الوزير أن المؤسسة الاقتصادية تظل الخلية الأساسية لخلق الثروة ودفع التشغيل ولذلك تعددت القرارات للرفع من قدراتها التنافسية وتأهيلها لتتمكن من مواجهة التحديات التي يفرضها الاقتصاد المعولم.. كما أشار إلى أن الحوار الاجتماعي يعد الركيزة الأساسية في السياسة التنموية التونسية في مختلف المجالات ومنها بالخصوص مجال التشريع الاجتماعي حيث أن مختلف التعديلات والتنقيحات المدخلة عليه تتم في إطار التشاور والحوار مع الأطراف الاجتماعية. مرونة وبين السيد محمد الناصر أن المرونة في تونس وجدت في الانتداب.. ففي ما مضى كان الانتداب يتم لمدة غير محدودة وذلك بترسيم العمال ولكن اليوم ونظرا للتقلبات التي تشهدها السوق وللظروف الطارئة لمجال الإنتاج فقد دخلت حيز التطبيق العقود محدودة المدّة وهي عقود تتجدد كل ستة أشهر أو كل عام ويمكن التخلي عنها إذا اقتضت الظروف ذلك. كما أصبح الوضع يتسم بالتسهيل في تسريح العمال وأصبحت الدولة تساهم في مصاريف التغطية الاجتماعية للمنتدبين الجدد وأوجدت بالإضافة إلى ذلك عقود جديدة تهم المنتدبين.. وذكر محدثنا أن هذا الوضع مماثل لما يحدث في بلدان أخرى ففي اليابان على سبيل المثال كان الفرد حينما يدخل إلى العمل يبقى فيه مدى الحياة لكن الآن تغير الحال وأصبح العامل ينتدب لمدة محدودة زمنية.. وأشار إلى أن هناك "من يعتقد أن الضغط على تكاليف الإنتاج يقتضي التخفيض في الأجور وهو ليس صحيحا بل لا يكون ذلك إلا بتحسين الانتاجية من خلال تحسين مهارات المهنيين عن طريق التكوين والرسكلة والتأهيل المستمر.. ولعل ما يبعث على الاطمئنان هو أن الكثير من المؤسسات الإقتصادية في تونس واعية بهذه المعادلة حتى أننا أصبحنا نجد "التكوين مدى الحياة" وأرغب في التأكيد على أنه يجب على العامل أن يتطور وأن يطور معلوماته لكي لا يتجاوزه الركب.. كما يجب أن يقدم المردود المطلوب وأن يدرك أن الأجر الذي يقبضه ليس جزاء وحصيلة للسنوات الطوال التي قضاها على مقاعد الدراسة فحسب بل هي مكافأة لقدراته على استعمال المعلومات التي حصلها على مقاعد الدراسة في العمل وتقديم إنتاج في مستوى الأجر الذي يقبضه أو أكثر".. ولاحظ السيد محمد الناصر أن المؤسسات الاقتصادية مهددة اليوم بالإفلاس والإفلاس ينعكس على المؤسسة وعلى العمال لأنه يتسبب في البطالة كما يؤثر على الاقتصاد الوطني ويضعفه لذلك هناك اهتمام كبير في تونس للتوفيق بين مقتضيات المنافسة والمحافظة على العقود الاجتماعية.. وبين انه بالحوار الاجتماعي يمكن الوصول إلى الحل. وقال " في خضم المنافسة العالمية نحن اليوم في معركة من أجل البقاء والبقاء يقتضي تحسين مستوى العمال وتوفير القدرة التنافسية للمؤسسات.. فهي معركة فيها المؤسسة وفيها العمال ويجب أن يتحليا معا بعقلية الرياضي لأن الجميع في مسلك واحد وليس لهم من خيار سوى الجري والجري وفي هذه المسابقة سيتعب الجميع وسيلهثون وسيعرقون ومن يتحمل أكثر من غيره هو الرابح.. فنحن اليوم في حلبة سباق ويجب على الجميع أن يكونوا رياضيين وأن يستعدوا للسباق". قطاعات مهددة افادنا السيد الصادق بالحاج حسين ممثل منظمة العمل الدولية أن العولمة وتحرير التجارة والاقتصاد أنتجت طلبات من أصحاب الشركات لادخال أكثر مرونة على علاقات العمل خاصة فيما يتعلق بديمومة العمل والحماية الاجتماعية ومدة العمل وهذا التراجع نلاحظه في عديد القطاعات وبحكم تحرير التجارة نجد عدة قطاعات مهددة مثل قطاعات النسيج والملابس والأنشطة الصناعية الأخرى وذلك بسبب المنافسة الشرسة وباندثار الأنشطة تندثر مواطن الشغل.. وقال إن هدف المنظمة حاليا هو تكوين فرق عمل ثلاثية تتكون من العمال وأصحاب الأعمال والحكومات بهدف التوصل إلى حلول.. وذكر أن هناك عدة توجهات في عديد البلدان قصد مراجعة قوانين العمل من خلال إدخال تعديلات على عقود العمل ومددها وملاءمة مدة العمل مع تطور النشاط في المؤسسة.. وفي ما يتعلق بالحماية الاجتماعية هناك عدة توجهات من خلال مراجعة أنظمة الحماية هذه كما أن أنظمة الضمان الاجتماعي أصبحت مهددة. وذكر أنه من خلال تطوير الخطط على المستويات الوطنية تسعى المنظمة لتطوير العمل اللائق أي العمل الذي يحترم الحقوق الأساسية في العمل والذي يضمن عملا مستقلا ودخلا مناسبا للأفراد ويوفر لهم الحماية الاجتماعية وهو العمل الذي يعترف خاصة بالحوار الاجتماعي. وأضاف: "تكمن خطتنا في مساعدة الدول على توفير عناصر العمل اللائق وبتوفير هذه العناصر يضمن حماية المؤسسة والعمال. ولكن الإشكال اليوم يتمثل على حد قوله في تزايد حجم الاقتصاد غير المنظم وهو الذي لا يتمتع فيه العمال بالحماية الاجتماعية والسؤال المطروح هو كيف يمكن تنظيم هذا القطاع وربطه بالقطاع المهيكل وضمان حقوق العمال فيه وتمكين هذا القطاع من المساهمة في الاقتصاد دون الإخلال بشرط المنافسة الشريفة لأن القطاع اليوم يخترق هذا الشرط فهو يتهرب من الآداءات التي يدفعها من ينشطون في القطاع المنظم.. وذكر أن العمل الهامشي والقطاع غير المنظم في تونس يكبر يوما بعد آخر ورغم أنه يساعد على توفير مواطن شغل والحد من البطالة فإنه يحتاج إلى تحسين ظروف العمل وضمان ديمومة العمل للمشتغلين فيه والأجور المناسبة. وذكر أنه لا توجد دراسات تبين حجم هذا القطاع ولكنه موجود ويظهر خاصة في التجارة الموازية والخدمات والفلاحة والعمل المنزلي.. واضاف أن القطاع غير المنظم لا يخضع لمستويات الانتاجية المطلوبة أي أن نسبة الانتاجية فيه منخفضة كثيرا والقضية المطروحة اليوم هي كيف يمكن تنظيم القطاع غير المنظم على أسس تجعله يساهم في التنمية الاقتصادية ويساهم بصفة فعالة في هذا المجال.