في حياة الشعوب مواعيد وأعياد وطنية هي لحظات اعتبار وتدبر تهزنا وتستفزنا هذه الأيام بحلول الذكرى العشرين لبيان السابع من نوفمبر 1987 الذي جسم انصهار شعب في عفوية مطلقة مع أحد أبنائه البررة زين العابدين بن علي الذي سخر حياته ومهجته لإنقاذ تونس في ليل كاد لا ينبلج له صباح. ذكرى تحرك من جمد وتقض مضجع من رقد وتثير في النفس الأبية نور عزم يتقد تفرض علينا جميعا محاسبة ومسؤولية لرد التحية على المنادي بصوت القائد الواثق من نفسه حي على الصلاح حي على الفلاح فجر السابع من نوفمبر 1987 «إن استقلال بلادنا وسلامة ترابنا ومناعة وطننا وتقدم شعبنا هي مسؤولية كل التونسيين والذود عليه والرفع من شأنه واجب مقدس على كل مواطن. إن شعبنا بلغ من الوعي والنضج ما يسمح لكل أبنائه بالمشاركة البناءة في تصريف شؤونه في ظل نظام جمهوري يولي المؤسسات مكانتها ويوفر أسباب الديمقراطية المسؤولة وعلى أساس سيادة الشعب». عبر ومعان مازالت ترن في آذاننا جعلناها نبراسا لحياتنا ومنهجا لسلوكنا ومبادراتنا للإسهام من موقعنا ومن مفهومنا لترجمة مفاتيح الرموز الجديدة : التحول - التغيير - العهد الجديد فكانت حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بحكم ثوابتها منذ انبعاثها في السبعينات وتراكم رصيدها في التصدي للوصاية والحكم الفردي حليفا موضوعيا للرئيس زين العابدين بن علي. ومازلت أذكر بكل تأثر واعتزاز ذلك التلاقي والتجانس من حيث القيم بين ثوابت حركتنا وبيان السابع من نوفمبر الذي توصلنا إليه خلال اجتماعنا منذ اليوم الأول صبيحة السابع من نوفمبر 1987 لمّا دعانا الأخ أحمد المستيري أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية للالتحاق به ببيته برادس لاجتماع طارئ للمكتب السياسي حيث التحقت صحبة الأخ المرحوم الدالي الجازي ببقية الرفاق لتسجيل الحدث التاريخي والاستعداد للتفاعل الإيجابي معه بمسؤولية وبكل ما أوتينا من قوة تحسبا لأخطار الردة من أساطين التحجر وثقافة الحزب الواحد والرأي الواحد لاحتكار مغانم النفوذ مع الانتهازيين المتشعبطين للالتفاف على كل انتصار باسم الشرعية التاريخية. وتضمن البيان الذي أصدرناه باسم المكتب السياسي لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين على الساعة الحادية عشر صباح يوم السبت 07 نوفمبر 1987 وهو أول رد فعل سياسي مساند للتغيير وصف ما أقدم عليه الرئيس زين العابدين بن علي بكونه «إجراء يكتسي مصلحة عامة وأن اعتماد الفصل 57 من الدستور يضفي على هذا الإجراء الشرعية الكاملة وأن رئيس الجمهورية السابق لم ينسحب في الوقت المناسب ولم يتوفق إلى تجنيب البلاد الفتن المؤلمة بسبب المحاكمات السياسية والمحاكم الاستثنائية وانسداد الآفاق في المجالات السياسية والاجتماعية وما نتج عن ذلك من أحقاد وضغائن لذلك يسجل المكتب السياسي ما تضمنه البيان الرسمي للسيد زين العابدين بن علي ويتمنى لرئيس الجمهورية الجديد التوفيق والنجاح في مهامه الجديدة». ودعت حركتنا في نفس السياق إلى المصالحة الوطنية لتحقيق «وفاق وطني صادق وصريح ضروري لحل المشاكل الكبرى التي تواجهها البلاد والذي بدونه لا يتسنى إدخال تونس بصفة دائمة في طريق الديمقراطية والتقدم والاستقرار الحقيقي» ومازلت أذكر بحكم موقعي في لجنة التنسيق بين أحزاب المعارضة في العهد السابق موجة التفاؤل والأمل التي فجرها بيان السابع من نوفمبر والالتفاف والتأييد الشعبي التلقائي حول الرئيس زين العابدين بن علي للإسهام في إنجاح التجربة الجديدة التي رسم معالمها المشروع المجتمعي للرئيس بن علي الذي كان المولود المنتظر الذي حملت به رحم النخبة التونسية في تراكمها وتواصلها في الحركة الإصلاحية منذ خير الدين فكان بن علي إفرازا لتطور مجتمعنا وإيذانا بعودة الروح للجسد وأعتقد اليوم إن بيان السابع من نوفمبر بعد عقدين من الزمن مازال يشكل الأرضية والمعين الذي ينبع منه المد الإصلاحي الذي يضمن دعم المكاسب والإنجازات ويفتح آفاق المستقبل لمواجهة التحولات والتحديات وكسب الرهانات. والموضوعية تفرض علينا وعلى كل مراقب نزيه الاعتراف بما تحقق على مختلف الأصعدة وبالخصوص الاقتصادية منها خلال العشرين سنة الماضية لكن هذه المكاسب فتحت مجالا واسعا لطموحات ومطالب جديدة جعلت الكثير من التونسيين وخاصة «جيل التغيير». الذي بلغ أفراده -مواليد 1987- اليوم سن العشرين عاما مع سن الرشد للتحول يأملون تحسين أوضاعهم ويتطلعون لمستقبل أفضل ويأتي التشغيل في مقدمة مشاغلهم هؤلاء الذين تعلموا منذ تأسيس دولة الاستقلال أن التعليم والشغل هما أساس الكرامة البشرية. وحتى لا نلقي بالكرة في شباك السلطة وحدها نقول بأن تأطير الشباب مسؤولية جماعية تتطلب إرادة وطنية واستراتيجية جماعية تشترك في وضعها وتنفيذها السلطة والأحزاب والقطاع الخاص وقوى المجتمع المدني وأن زرع الأمل في انتظار العمل ضروري للقضاء على اليأس. واعتقادنا بأن تونس تقف اليوم على عتبة مرحلة سياسية جديدة تغيرت فيها جوانب عديدة وهو ما يفرض الحفاظ على المكاسب وتجاوز السلبيات التي من شأنها أن تعيق حركة التقدم وتفتح المجال لكل من يريد أن يجدف في الاتجاه المعاكس لحركة التاريخ. من هذه الزاوية شعرنا بالارتياح للمؤشرات التي توالت في الفترة الأخيرة مثل الدعم المالي الذي تمتعت به جمعية النساء الديمقراطيات والمبادرة الرئاسية لحل ما عرف بمشكلة مقر الحزب الديمقراطي التقدمي وهي إجراءات حكيمة تتجاوز في نظرنا مجرد الرغبة في تنقية المناخ لأسباب ظرفية وإنما تؤكد وجود إرادة سياسية لدى الرئيس بن علي الذي يصغي بحسه المرهف إلى كل أبناء وبنات تونس مهما تباينت بهم السبل والآراء ونعتقد أنه لا يصعب عليه ما بقي من ملفات "الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وإعادة فتح معهد لويس باستور" تثير القلق وتعطي انطباعا سلبيا على تونس رغم المكاسب الكثيرة التي تحققت والتي تمهد لما هو أرقى وأعمق وتطوير المشهد الإعلامي ليواكب ما تعيشه منطقتنا من ثورة إعلامية غير مسبوقة.كما أن التعددية الحزبية قابلة للاعتراف بكل الأحزاب التي تنبذ العنف وتتمسك بالدستور وبالنظام الجمهوري والثوابت الوطنية حتى نفتح صفحة جديدة تجعل تونس تحتضن كل أبنائها بدون استثناء مثلما عشناه غداة السابع من نوفمبر 1987. إنه من حقنا أن نحلم لأن الأرضية الاقتصادية التي تتمتع بها بلادنا وآخرها تقرير دافوس "والحق ما اعترف به الغير" تمكنها من إنجاز قفزة نوعية مثل رفع نسبة النمو من 5% إلى 7% وذلك ليس بعزيز على شعبنا ونخبنا كما نأمل أن نحقق للجيل الجديد وضع الأسس لبناء محطة للطاقة النووية لتوليد الكهرباء بعد أن شرعنا في إفتكاك زمام المبادرة في مجال تقنيات الاتصال بعد الفرصة التي توفرت لدينا باحتضان تونس قمة المعلومات والتي بقيت تفتقر لخطوات عملية وبعيدة المدى من أجل استثمارها بشكل عملي وفعال. (*) أمين عام حركة الديموقراطيين الاشتراكيين