قال المخرج الروماني كريستيان منجيو بعد ان تسلم «السعفة الذهبية» من مهرجان كان السينمائي العالمي في دورته الستين التي انهت اشغالها مساء الاحد الماضي. أتمنى ان تكون هذه السعفة الذهبية التي حصلت عليها طالع خير على السينماءات «الصغيرة» للبلدان ذات الحجم الصغير سينمائيا، فالواضح انه لم يعد من الضروري ان نحقق النجاح بميزانيات ضخمة وبنجوم كبار». المخرج كريستيان منجيو (39 سنة) من رومانيا ترشح بفيلم عنوانه «4 اشهر، و3 اسابيع ويومان» يستعرض قصة اجهاض فتاة في عهد الرئيس شاوسيسكو زعيم الحزب الشيوعي الروماني الذي حوّل بلد الى معسكر خال من الحريات مع العلم ان الاجهاض كان من الجرائم التي يعاقب عليها القانون بشدة. وقد انفق المخرج منجيو على هذا الفيلم حوالي 900 الف دينار فرنسي وهو مبلغ زهيد بالقياس الى الميزانيات التي ينفقها المنتجون السينمائيون في كل انحاء العالم بما فيها المنتج التونسي الذي لم يعد في امكانه انفاق اقل من مليون دينار على الفيلم التونسي الطويل نذكر ذلك دون ننسى ان الفيلم الامريكي يتجاوز في ميزانيته المائة مليون دولار في اغلب الحالات وهي تبلغ المائتي مليون دولارا احيانا. من الأكيد ان فوز الفيلم الروماني بالسعفة الذهبية يبعث الاطمئنان في نفوس المخرجين المنتمين الى البلدان التي تبحث عن مكان لها تحت شمس السينما في العالم، هذه الشمس التي بدأ وكأنها لا تشع.. ولا تشرق الا على الشركات السينمائية الكبرى. لكن يجب ان نشير ان السينماءات «الصغيرة» حسب تعبير المخرج الروماني كريستيان منجيو سبق لها ان اقتلعت السعفة الذهبية فلا ننسى فيلم «سنوات الجمر» للأخضر حامينا من الجزائر في منتصف السبعينات، وفيلم بختنوع الايراني في منتصف التسعينات ويمكن لنا ذكر افلام اخرى. فهل ان «السعفة الذهبية» تصنع الربيع سينمائيا للبلد الذي ينالها؟ لا شك ان الفوز بهذه الجائزة العالمية هو انتصار ثقافي للفائز.. ولبلده حيث تفرض الجائزة اسم المخرج في عالم السينما، وتساهم في التعريف بالبلد المنتج تماما كما كان الشأن لايران التي لم يكن أحد في العالم يصدق ان هذا البلد قادر على صناعة السينما في حرية وفي تنوع ثقافي ذلك ان الحصار الاعلامي كان مضروبا على ايران انطلاقا من الولاياتالمتحدةالامريكية منذ قيام الثورة الاسلامية وتمكنت السينما الايرانية من كسر هذا الحصر والتعريف بجانب من جوانب الثقافة والمجتمع. ولا شك ان الفيلم الروماني الذي نال السعفة الذهبية سيساهم في التعريف بما يجري في رومانيا بعد هزيمة النظام الشيوعي انطلاقا من البحث في اسباب اوجاع الشعب الروماني في عهد الحزب الواحد والهيمنة البوليسية على هذا الشعب عبر قصة تبدو بسيطة. انما لا بد من ان نقول بان الفوز بالجائزة لا يفتح الاسواق السينمائية العالمية لرومانيا.. كما لم تفتح الاسواق للسينما الجزائرية.. ولا الايرانية.. ولا غيرها من السينماءات في المغرب وتونس وسوريا.. والعراق والفيتنام.. والصين، وكوريا بشقيها. ويعرف الجميع ان الاسواق السينمائية مازالت ترزح تحت هيمنة الشركات السينمائية الكبرى وفي مقدمتها الشركات الهوليودية التي لم تقدر على زحزحتها في هذه الاسواق شركة واحدة في العالم، وان تمكنت الهند.. وايطاليا وفرنسا وبريطانيا من ان تقضم لها مكانا مهما لكنه لا يضر بحق من مصالح الولاياتالمتحدة التي تعتبر هوليوود احد معاقل الاقتصاد الامريكي، لا تسمح ابدا بالمس به، مع العلم ان المداخيل التي تعود الى الميزانية الامريكية العامة من هوليود تفوق المداخيل من الاسلحة التي تصنعها الآلة الجهنمية في هذا البلد الكبير. ثم ان الموزعين للأفلام لا يغترون بنتائج المهرجانات الدولية مهما كان اشعاعها وان كانوا لا يرفضون الافلام الفائزة، بجوائزها وهم يعرفون ان هناك عناصر كثيرة تتضافر ليتمكن الفيلم من اختطاف الجائزة الاولى وغيرها من الجوائز الموازية. وفي حالة الفيلم الروماني الذي رفع «السعفة الذهبية» عاليا فانه رغم ما قيل عن اهميته الجمالية ما كان له ليفوز لو لم يعمد الى قصة لفضح الشيوعية وضرب النظام الروماني السابق فالغرب مازال راغبا في شن الحرب تلو الحرب على الشيوعيات في كل انحاء العالم و «لو اعلنت ايمانها بالديموقراطية». الغرب يعرف ان الشيوعية مازالت مهيمنة في اماكن كثيرة من العالم بل هي حاكمة في اكبر دولة واوسعها في العالم الا وهي الصين، وهي منغرسة بقوة في كوريا الشمالية.. وهي تحاول ان تعود في بعض البلدان في أوروبا الشرقية.. ومازال الحزب الشيوعي الروسي موجودا وسيشارك في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. وبرغم انف بعض المفكرين والمثقفين الذين يهللون ويطبّلون لسقوط الشيوعية وانهزام الفكر الايديولوجي وكأن الشيوعية لم تكن موجودة الا في الاتحاد السوفياتي. كل أدبيات هؤلاء المفكرين والمثقفين اصبحت مرتكزة الى سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين وهم في وهم من انفسهم وعقولهم عندما يتناسون الصين وكوريا الشمالية، واحزاب شيوعية كبيرة قد تعود الى الصدارة كما عادت الاشتراكية والروح الوطنية العالية في امريكا اللاتينية. الغرب ليس واهما ومازال يعمل بكل الطرق على اسقاط الشيوعية في اي شبر من المعمورة ولذا فان الافلام التي تفضح الشيوعية من شأنها ان تنال الجوائز.. وتحظى بالحضور والترحيب. ويمكن ان نفسر اسباب فوز الفيلم الجزائري في منتصف السبعينات بخروجه من موجة الافلام الجزائرية العارمة التي تندد بالاستعمار الفرنسي، وتفضح الامبريالية في كل وجوهها. لقد اعلن «سنوات الجمر» عن سينما جديدة في الجزائر يمكنها ان تؤكد حضور العالم الثالث ثقافيا في العالم دون ان يبقى يجتر ما فعله فيه الاستعمار والامبريالية لان ذلك يزعج الغرب كثيرا، وهو تماما ما فعله مع فيلم روسي كان حصل على الجائزة الاولى من مهرجان «كان» لانه اعلن انذاك عن ابتعاد الفيلم السوفياتي عن الدعاية الشيوعية ولامس الروح الانسانية والقصص الصغيرة المؤثرة في النفس البشرية بعيدا عن السياسة التي كادت تحول الانسان الشيوعي الى مجرد آلة. ولذا سنبقى دوما مرحبين بفوز كل السينماءات «الصغيرة» بالجوائز في كل المهرجانات وخاصة مهرجان كان العالمي لكن ذلك لا يضع عصابة على اعيننا ويجب ان يواصل المخرجون نضالاتهم ضد هيمنة الشركات الغربية الكبرى وفي مقدمتها الشركات الامريكية التي أكلت الاخضر واليابس ولا تحرك ساكنا لما يحدث في المهرجانات. ولا بد ان نعي بان النضال مرير وطويل في الزمن، وان افتكاك اي موقع للسينماءات الصغيرة هو مهم ولو كانت خلفيات اخرى هي التي حركت هذا الانتصار او ذاك.