قال الأستاذ كمال القفصي المحامي لدى التعقيب والمتخصص في العلوم السياسية والقانون الدستوري والدولي والمتخرج من جامعة السوربون متحدثا عن الوضع الدستوري الراهن ومسألة الشرعية، إنه لا يمكن بأي حال لأي كان المجازفة أو العبث في استعمال أحكام الدستور في غير مواضعها المحددة وما أنيط بها من أحكام إذ أن القاعدة الدستورية بصفتها العلوية تمنع استعمالها في غير سياقها وتمتنع عن استعمال المخالف لذلك.. ولا تقوم الشرعية الدستورية تباعا إلا باحترام هذا المبدأ الأساسي في علوية القاعدة الدستورية وكيفية ومجال انطباقها.. (راجعوا نظرية هانس كالسن النمساوي في هذا المجال وهو من كبار منظري القانون الدستوري في العصر الحديث).. وذكر أن شرعية الشعب تعلو على شرعية الدستور السائد إن وجد، كيفما وجد ولو كان في وضع معلق.. فالدستور على قول الفيلسوف الألماني هيقل في كتابه الدستور "الدستور هو حالة الوعي لشعب ما في ظرف تاريخي محدد".. وتبسيطا لذلك فإن العمل السياسي لأية حكومة مهما سمت نفسها في ظروف استثنائية لا تكون شرعية عندما تخالف أحكام الدستور مباشرة أو بطريقة غير مباشرة أو استعمال الإسقاط الدستوري على وضع غير مناسب وغير مفترض فيه وغير مضمن بأحد أحكامه إن وجدت.. وفسر محدثنا أنه من غير المقبول وغير المفهوم إصرار وتعمد بعض المتحذلقين في السياسة والمتطفلين على الدستور التمسك بلا شرعية دستورية ولا شرعية شعبية، في حين بإمكان هؤلاء ما داموا غاوين العمل السياسي أن يقوموا بأعمالهم في ظل الشرعية الدستورية حين لا تكون مخالفة للدستور حتى وإن كان معلقا.. وبإمكانهم القيام بواجبهم الوطني في ظل الشرعية الشعبية عندما لا يتمسكون بصفة سياسية ليست لهم بأي قياس وأي وجه مهما تفننوا في الإفك (الكذب) السياسي. إذ أن تسمية الحكومة كعمل دستوري صرف لا يقوم على أي أساس من أي نوع مادام البرلمان غير منتخب بصفة حرة ومباشرة كترجمان حقيقي لطموحات الشعب والشباب الذي أهدى لنخبته السياسية الكرامة الوطنية والحرية السياسية التي ينعمون بها الآن قبل من استشهدوا من أجلها.. ونأسف لما في ذلك من نكران وجحود من جهة السياسيين القائمين بالعملية السياسية الحالية المشبوهة والمعيبة من ناحيتي الشرعية الدستورية والشعبية. وبين أنه تأكيدا على ارتباك هؤلاء السياسيين في تعاطيهم مع أحكام الدستور فإنه في غضون أقل من أسبوعين اتخذت ما يسمى بالحكومة ثلاثة تعديلات ولم تستقر على أمر.. ومثل على هذا الارتباك أن أحد أعضائها يصر على تسميتها بحكومة انتقالية والآخر يسميها حكومة وحدة وطنية وثالث يسميها حكومة مؤقتة وفي بعض الأحيان على استحياء يطلقون عليها حكومة تصريف أعمال.. وأضاف: "فكيف للمتابع والمواطن البسيط أن يستأنس بعدة مسميات.. ولماذا كل هذه التسميات؟ أهو جهل بمنطوق وأحكام الدستور أم إصرار على محاولة الالتفاف على الشرعية الشعبية والدستورية لغايات سياسية ضيقة أبعد ما تكون عن التحلي بحس المسؤولية الوطنية في طور البناء الحالي.. وفي الحالتين فإنه جدير بالسياسيين المذكورين بأنه لا يزال بالإمكان تدارك الأمر إن أرادوا وأخلصوا لشعبهم ووطنهم.. ويكون ذلك من خلال الاحتماء بظل الشرعية الدستورية والشعبية وخلع الصفة السياسية عنهم في ما يقومون به واقتصار على واجبهم الإداري كحكومة تصريف أعمال، هذا الواجب الذي من أجله يتقاضون مرتباتهم كحكومة تصريف أعمال إدارية بحتة وحينها يرفع اللبس عن صفتهم السياسية"..
البديل
عن سؤال يتعلق بالبديل الأنسب لهذا الدستور المعلق أجاب الأستاذ كمال القفصي: يمكن تلخيص ما ينبغي أن يتضمنه الدستور بصيغته الجديدة أي دستور الجمهورية الثانية الاجتماعية الديمقراطية في المبادئ الأساسية التالية: صياغة آلية حماية فصل السلط عن بعضها البعض بما لا يمكن معه العودة إلى الاختلال في التوازن بينها واحترام مبدأ الفصل بينها كأن يمنع على رئيس الجمهورية أن يكون رئيس المجلس الأعلى للقضاء ويمنع رئيس حكومة الأغلبية من أن يكون رئيس المجلس الأعلى للقضاء أو يتدخل في تركيبته وتعيين أعضائه بأي وجه كان. تخصيص محكمة دستورية عليا بحماية أحكام الدستور وتفسيرها وتأويلها وتطبيقها ورقابة دستورية القوانين قضائيا وتعهدها بالمسائل الدستورية تلقائيا بموجب اختصاصها الحكمي.. إرساء نظام برلماني عقلاني كي لا يحدث فراغ دستوري أو سياسي مثل الوضع الحالي من تبعات النظام الرئاسي.. وفسر محدثنا هذه النقطة بالقول إن خلل النظام الجمهوري يتمثل في الخشية من مثل الوضعية الحالية غير المسبوقة تاريخيا بأي وجه في سائر بلاد العالم، بينما في ظل نظام برلماني على النمط الألماني مثلا يمكن أن تتوفر الضمانات الأساسية والسلمية، وعليه فإن الشعب التونسي جدير ومؤهل للتمتع بنموذج برلماني يستجيب لأخلاقياته وطموحاته الجوهرية ويمكن أن يكون مثالا يحتذى شرقا وغربا. الفصل العضوي بين قوات الأمن الداخلي والمسؤولية السياسية للحكومة وحصر دور تلك القوات ومهامها في واجبها الإداري الأمني الصرف دون تأثير أو تدخل من الحكومة السياسية المنتخبة مهما كانت بما يؤسس لعلاقة تعاون واحترام بين المواطن وعون الأمن الذي هو بالأساس في خدمة المواطن والمواطنة والوطن بقطع النظر عن الميولات السياسية للحكومات المتعاقبة. وأكد محدثنا على ان هذا الفصل هو الطريق الوحيد المؤدي للعبور من الدولة الأمنية إلى الدولة المدنية شريطة توعية قوات الأمن الداخلي تدريبا ورسكلة وإعادة تكوين لهذا الغرض المطلوب حتى تكون رافدا للتنمية الوطنية والسلم الاجتماعية بدلا من أن تكون كما كانت رافدا لمجموعة حاكمة. وأكد الأخصائي في القانون الدستوري على أن أهم الدروس والعبر التي تقدمها الثورة للسياسيين المتحذلقين أنها حررت الجميع من كل نمطية دغمائية تحتكر أو تقصي أو تحجب الحقيقة حيثما كانت، وعليهم وهم متأخرون ومتقاعدون عن استخلاص تلك العبر، أن ينتفعوا ويتمتعوا بنخب هذه الحرية وأن يحرروا أنفسهم من النمطية السياسية البائدة وقد كانوا جزءا منها على قدر مواقعهم في المعارضة أو الحكومة، وإذا لم يفعلوا ذلك تحررا وتجردا سيظلون عقبة في وجه التنمية الوطنية والإصلاح السياسي الحقيقي المحتم بأي حال على أمل أن يكون بأقل تكلفة وفي أسرع وقت استجابة لطموحات الشعب الحر والشباب الأغر وتضحياتهم. ويعتبر محدثنا الذي شارك في لقاء علمي نظمته مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات حول الوضع الدستوري في الوقت الراهن أن شرط نجاح البناء الوطني المسؤول يكمن في التحلي بالمصداقية وقبول مبدأ المحاججة والمكاشفة لبلوغ الأفضل للبلاد والعباد.