بحري البحري أمحمّد... أُخَيّ... ها قد مرّ شهران على انتقالي من بطالة مقنّعة موسميّة إلى بطالة معلنة نهائيّة..أقف اليوم في أربعينيّتك وحيدة في باحة الدار أتحسّس مواطن الحروق التي أصابت بعضا من ألواحي وما تبقّى على ظهري من صناديق سوّدتها ألسنة اللهب الذي أوقدتَ به وَضَح النهار، ولا يخرجني من وحدتي إلاّ جلبة بعض الوفود والزوّار... أمحمّد أُخَيّ
تبلغني أخبار بأنّ عربات الباعة المتجوّلين قد غزت البلاد شمالا وجنوبا.. وأنّها ازْدَهتْ بأصناف السلع والفواكه التي لم يكن في مقدورنا أن نعرضها يومًا، وأنها صارت تملأ الساحات والأسواق وتعجّ بها الأنهج والطرقات، ولا أدري إن كان أحد من زملائك هؤلاء يذكرك اليوم أو يترحّم عليك...
أمحمّد أُخَيّ
لست أدري لِمَ صار الناس يتزايدون عليّ وكأنّهم لا يعرفون ألاّ قيمة لي في غيابك. أبلغني شقيقك أنني صرت أساوي الملايين، وأنّني صرت أعرض للبيع مثلي مثل طائرة الرئيس الذي يسمونه «المخلوع» وطائرات أصهاره، ويقال أنك أنت الذي «خلعت»الرجل حتى فرّ من شدّة الخوف لا يلوي على شيء ولا يعرف إلى أين يتّجه ولا أين يستقرّ، وأدخلت الطمأنينة على قلوب الملايين.. يقدّرون ثمني بعُمْلات لم أكدْ أسمع بها، تارة بالدولار وتارة باليورو. لمْ يبلغ طبعا قيمة تلك الطائرات الفاخرة التي يتحدّثون عن أعاجيبها والمحتجزة في كندا وفي فرنسا كما احتُجِزتُ أنا في مستودع الشرطة بعد أن تركْتَني مُمْتقِعَ الوجه مُرْعِدا، لكنني متأكّدة أنّني عندكَ وعند من يحبّك أغلى وأشرفُ من الطائرات والسيارات الفارهة جميعها... وأنا الآن أشعر رغم عطالتي بحريّة لا توصف وبعزّة لدى أهلي جميعا لا تضاهيها عزّة!..
أمحمّد أُخَيّ
في بلادنا وفي العالم كلّه اليوم متناقضات وغرائب: أناس يغالبهم الفرح يهنّئون بعضهم بعضا، وآخرون يتحدّثون عن مستقبل البلاد بتفاؤل غير مسبوق، حتى إنّه ليقال إنّه سيأتي يوم يُستغنَى فيه عن العربات التي مثلي وتندثر فصيلة الباعة المتجوّلين... لكنّ فيها أيضا أناسا تنهب وتخطف، وقبائل تهاجم قبائل منافسة بالعصيّ والحجر، وطلبة يقومون بطرد مديريهم وتلامذة يطالبون بتنجيحهم جميعا في الامتحانات، يقولون إنّهم صنعوا الثورة ولست أفهم ما الذي يقصدون... أقلّب المشهد من حولي فأرى عمّالا وموظّفين يطالبون بالزيادات وتحسين الأجور، وبائعين متجوّلين مثلك بعرباتهم وسياسيّين لا نعرفهم، يتنافسون في عرض بضاعتهم ويملؤون المشهد يمنة ويسرة..
أمحمّد أُخَيّ
والكلام بيني وبينك، يقال إنّ تناحر الإخوة في العراق قد ارتدّ، بل إنّني سمعت من يقول إنّ صراخ بني صهيون، وأتباعهم من أولئك الذين يعبدون هذا الدولار الذي حدّثتك عنه قد خفت، وأنهم انقلبوا فجأة إلى ناصحين حريصين على مصالح البلاد والعباد..
أمحمّد أُخَيّ
لا أعرف شيئا عن مصيري إلى حدّ الآن، وآمل أن تتّضح الصورة قريبا.. يقولون إنهم سيضعون لي نصبا في وسط المدينة حتّى تذكرك الأجيال، أمّا أنت فيحقّ لك أن تنام هانئا مرفوع الرأس.. فإلى عليّين أمحمّد أخيّ ومن رحلوا معك...