يبدو المشهد السياسي اليوم، في مرحلة حرجة للغاية، إذ ليس من السهل على أي طرف التحرك في سياقه وسط انفلاتات أمنية وإن كانت نسبية ، وفي ظل إشاعات يتناقلها البعض مثل الفيروسات التي تعرف بسرعة انتشارها.. بالأمس، اتهمت إحدى القوى السياسية بالإرهاب على خلفية مقتل القس البولوني، وكادت الأمور تتخذ منحى شبيها بما عرفته البلاد في العام 1990، عندما تمت تصفية "حركة النهضة"، ما سمح للرئيس المخلوع بإقصاء أهم خصومه السياسيين، وهيأ لنفسه المجال لكي يحكم بالحديد والنار على امتداد عشرين عاما كاملة.. والغريب، أن المعلومات التي صدرت لاحقا، أكدت أن مقتل القس كان لأسباب شخصية، وربما كان الأمر لأسباب أخلاقية، وليس لدواع أمنية أو سياسية، ما يطرح سؤالا كبيرا حول من حاول الترويج أو افتعال فرضية الإرهاب في مقتل هذا القس؟ ومن يدفع باتجاه خلط الأوراق في وقت يفترض أن كل الأوراق قد سقطت، في ساحة كنا نعتقد أنها تخلصت من كثير من الأدران التي علق بها نظام الرئيس المخلوع؟ في ذات السياق، تتردد أنباء وإشاعات عن وضع هذه الشخصية أو تلك تحت الإقامة الجبرية، فبعد الهادي الجيلاني (الرئيس السابق لمنظمة الأعراف)، وكوادر عليا في أجهزة الأمن، جاء الدور على أحد القيادات العسكرية البارزة التي يشاع أنها تلقى نفس المصير حاليا. ومع أن هذه الأنباء التي لا وجود لما يجعلها في دائرة المعلومات الدقيقة والصحيحة ، تسربت بين التونسيين مثل تسرب النار في الهشيم، وباتت جزءا من شواغل الناس في المقاهي والمنتديات العامة، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يخفي عنا كونها جزءا من الأنباء التي تتردد حول "خلافات عميقة" صلب الحكومة بخصوص ترتيبات المرحلة المقبلة، و"صراع مواقع" بين القصبة وقرطاج وشارع الحبيب بورقيبة، حول سلطة القرار في الحكومة الانتقالية، إلى جانب وجود تجاذبات بشأن تسوية بعض الملفات السياسية، مثل الترخيص لبعض الأحزاب دون غيرها، أو سقف الحريات الممكن السماح به، أو أفق "التدخل الخارجي" في السياسة التونسية الراهنة، وفي سيناريوهات المرحلة القادمة، أو .. أو .. أو .. لا شك أن عمليات التظاهر ضد الحكومة، والإعتصامات التي تتوالى بين الفينة والأخرى، هنا وهناك، في العاصمة وفي الكثير من الولايات، إنما تأتي ترجمة لأزمة الثقة التي باتت عليها النخب والفاعلين السياسيين، إلى جانب قسم واسع من الشعب التونسي، إزاء الغموض الذي يلف الكثير من قرارات الحكومة و"تصرفاتها"، وأسلوبها في التعاطي مع الراهن التونسي، وبخاصة "صمتها" عن الكثير من الأحداث والمعلومات الخطيرة المتداولة في البلاد.. أفلم يحن الوقت الآن لكي تتخذ الحكومة وأصحاب القرار في هذه المرحلة الانتقالية من الشفافية، خارطة طريق لجميع قراراتها وأدائها السياسي، وتعلن بالتالي عن مواقف واضحة من ملفات حساسة ودقيقة، سياسية وأمنية واقتصادية، يمكن أن تخفف وطأة الاحتقان الشعبي الذي يتزايد يوما بعد آخر؟