لماذا أقصيت بعض الأجهزة القضائية ذات الاختصاص المرجعي من أعمال التقصّي التي تديرها لجان مستقلة ؟ ذلك هو السؤال الذي توجهنا به للسيّد كريم هلالي القاضي المستشار بدائرة المحاسبات التي من أوكد مهامها التحقيق في الفساد المالي بالقطاع العمومي وقد أجابنا جوابا حاملا لأكثر من معنى «من المفترض أن تجيب الحكومة المؤقتة على هذا السؤال باعتبار أن الوزير الأوّل هو من عيّن رؤساء هذه اللجان..»ولا نذيع سرّا عند الحديث عن ملابسات عمل لجان تقصّي الحقائق في أبعادها الثلاثية والتي اتسمت البعض من أعمالها «بالاستعراض السياسي» بعيدا عمّا يفترضه فعل التحقيق والتقصّي الذي من الضروري أن تكتنفه بعض السرية الإجرائية ضمانا لجدوى النتائج.. وحسب قوانين البلاد السارية حتى بعد سقوط النظام فان هناك أجهزة قضائية تقتضي مهامها القيام بأعمال التقصّي والتحقيق في الكثير من الشبهات كالفساد المالي في القطاع العمومي وعلى رأسها دائرة المحاسبات إحدى ركائز مجلس الدولة والتي تستلهم صلاحياتها من الدستور..»الأسبوعي» بحثت في الموضوع وفسحت المجال لأحد قضاتها لإبداء رأيه في المسألة... التحقيق في الفساد المالي حول الاختصاصات الممنوحة للجان تقصّي الحقائق ومنها خاصّة لجنة تقصّي الحقائق في الفساد والرشوة أفادنا القاضي كريم الهلالي «بالنسبة للجنة عبد الفتاح عمر ثمة جهاز قضائي مستقل ألا وهو دائرة المحاسبات يمكنه بحكم اختصاصه القيام بالتحقيق الميداني لجمع الوثائق والمؤيدات لما له من خبرة في هذا المجال الذي يبقى من صلب اختصاصها ولها القضاة المؤهلون لذلك وهو ما يفترض وجودها لتتعهّد بملفات التحقيق العاجلة فالرأي العام ينتظر اجابات سريعة لتدعيم ثقته في السلط التي قامت بعد الثورة فدائرة المحسابات مؤسسة دستورية قائمة الذات منذ 1968 مهمتها التحقيق في الفساد المالي خاصّة في القطاع العمومي وهي تتكوّن من قضاة محلفين وكان من الأنجع أن تتولى هي مهام التحقيق فهناك أراض تغيرت صبغتها بمقتضى أوامر وهناك أحكام جائرة صدرت عن محاكم ورّطت القضاء.. فالدائرة حققت في خروقات وقضايا فساد في بعض البنوك العمومية مثلا سنة 2007 كالشركة التونسية للبنك وقامت بها عائلة الرئيس السابق... والتقرير السنوي للدائرة والمتعلّق ب2010 هناك تورّط في إهدار المال العام بالنسبة لمؤسسة الاذاعة والتلفزة ولديوان الطيران المدني ومدى ضلوع عائلة الرئيس المخلوع في هذا الفساد.. فالتحقيق في الفساد قد يكون ملفا في ظاهره ملفا تقنيا وفي عمقه ذا صبغة سياسية يجب أن تحسم لإشاعة مناخا من الثقة بين الشعب وأجهزة الدولة. حياد القضاء ضمانا للثقة وحول الظهور الإعلامي وأعمال التقصّي التي باتت استعراضات تلفزيونية تحوم حولها شبهة التوظيف السياسي لم يخف القاضي كريم الهلالي «ثقة الشعب التونسي في الحكومة وفي كل الأجهزة بدت مهتزة ورغم ذلك التونسي ما زال لديه الثقة في الجهاز القضائي ولتوطيد هذه الثقة لا بدّ أن نحيّد القضاء سياسيا ولا بدّ أن نرفع يد السلط التنفيذية مازالت تبسطها إلى حدّ الناس هذا عليه.. وبالنسبة لأعمال التحقيق والتقصّي فهي سرية ملزمة بقانون المهنة لأن العلانية يمكن أن تؤثّر على مجرى الأبحاث والقضية.. وأؤكّد أنه اليوم وفي اطار زخم الاتهامات المتبادلة وتقلّص الثقة بين مختلف الحساسيات يكون من المنطقي الاحتكام الى طرف مؤهّل ومحايد يكون بالضرورة القضاء كسلطة مستقلة ضامنة لحقوق الناس...» وفيما يتعلّق بالحلول الكفيلة بتدارك انخرام الوضع السياسي والأمني والقانوني أكّد القاضي «الحلّ يكون بالضرورة سياسيا لأننّا في ظرف استثنائي وحسّاس لا بدّ هنا من العمل قبل كل شيء على إشاعة الثقة بين الناس في عمل الحكومة وكل الأجهزة فالكل يريد أن يفهم ما يجري ويقتنع بالتفسيرات التي تقدّم له. يجب أن نذهب للناس ونقترب منهم ونرفع عنهم كل التباس في أذهانهم.. فأزمة الثقة ولدت من خيارات مضطربة تفتقد للحنكة السياسية ولكي نسترجعها لا بدّ أن نقدّم براهين واضحة ومقنعة.. نقدّم للمحاكمة كل من يشتبه تورّطه في أعمال فساد.. فاسترجاع ثقة الشعب هو مطلب ذو أولوية إذا أردنا الوصول بالبلاد إلى شاطئ السلامة.»