بقلم آسيا العتروس موقفان اساسيان طبعا رد فعل المجتمع الدولي ازاء ثورة الشعب الليبي التي تدخل اسبوعها الثالث على التوالي رغم كل محاولات التصدي القمعية التي توخاها حتى الان العقيد القذافي وما بقي حوله من مرتزقة لاخماد صوت المتظاهرين واجهاض ثورتهم في مهدها فيما ظل نجله سيف يواصل الهذيان مرددا لحن خلود زائف لسلطة مستعدة لطحن شعبها والتربع على بقايا عظامه. اما الموقف الاول فقد ارتبط بما صدر نهاية الاسبوع من قرارات عن مجلس الامن الدولي لفرض حزمة من العقوبات على النظام الليبي وفرض حظرعلى سفر العقيد وافراد من عائلته والمقربين منه الى جانب تجميد ارصدتهم وهوالقرارالذي تلاه تكليف المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في الجرائم التي وصفت بانها ترتقي الى الجرائم ضد الانسانية والتي اقترفها النظام الليبي، وهو موقف يمكن ان يزيد في عزلة القذافي وتضييق الخناق من حوله ولكن دون الوصول الى ازاحته او القضاء عليه. واما الموقف الثاني وهوالموقف الذي ارتبط ببعض محاولات من جانب بعض القادة الغربيين للتاثيرعلى سيرالاحداث ومحاولة انقاذ القذافي قبل فوات الاوان وبالتالي انقاذ مصالحهم النفطية والعقود الضخمة التي لا تزال تربطهم بالقذافي الذي تجاوزت ثروته العائلية المائة والاربعين مليار دولار قبل ان يدرك هؤلاء ان المشهد في ليبيا غير قابل للتراجع وان زلزال التغييرات لن يتوقف عند حدود تونس ومصر. لقد بات واضحا ان تلك المكالمة الهاتفية السرية التي اجراها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مع صديقه العقيد القذافي لن تنقذه من الخيارالذي سيحدده له الشعب الليبي بعد ان قرر الخلاص من قيود حكم القذافي الذي استبد به طوال اكثر من اربعة عقود كان العقيد خلالها يتعامل مع هذا الشعب معاملة القاصرين والعاجزين حتى في تحديد ابسط الخيارات اليومية. ولعل الاهم ان مكالمة بلير التي لم تتردد الصحف البريطانية في الكشف عنها والتنديد بها قد جاءت بعد ذلك الخطاب المهين الذي ادلى به القذافي متهما المتظاهرين الليبيين الذين نعتهم بالجرذان والصراصير مرة بالهلوسة وتعاطي الحبوب المخدرة واخرى بالخضوع لتعليمات بن لادن زعيم تنظيم القاعدة. والواقع ان مكالمة بلير لا تخرج عن اطار مكالمة رئيس الوزراء الايطالي سلفيو برلسكوني الذي كان اول من هب للدفاع عن القذافي فلم يتردد في الاتصال بنجل القذافي سيف الاسلام في محاولة لتجاوز الازمة الراهنة قبل ان يدرك برلسكوني لاحقا ان حساباته لم تكن في محلها وان صديقه الذي انحنى مقبلا يده ذات يوم اصبح في ساعاته الاخيرة ليس لان واشنطن ومعها باريس خلصت الى ان موعد رحيل القذافي قد حان ولكن لان اغلبية الشعب الليبي متفق على ذلك وهو يصرعلى الاخذ بزمام مصيره بنفسه والا يكون تحت رحمة أي قوة كانت. ولعل فيما كشفته التجربة العراقية حتى الان ما يؤكد ان الديموقراطية ليست بضاعة تستورد وان مصائر الشعوب التي تقرر بغيرارادتها لا يمكن ان تثمر حرية وازدهارا وديموقراطية ولوان الشعب العراقي كان المبادر بالاطاحة بنظام صدام حسين لكان اليوم في وضع افضل مما هو عليه تحت حكومة المالكي الخاضعة لاوامر واشنطن... ان كل ساعة تمضي من شانها ان تؤكد انه لم يعد بالامكان الوقوف في وجه التاريخ وان الليبيين يقتربون من الحرية رغم كل صفقات السلاح التي تربط القذافي بدول الاتحاد الاوروبي والتي بلغت العام الماضي ثلاث مائة جنيه استرليني هي التي تستخدم اليوم لضرب المتظاهرين وسفك دمائهم في الشوارع. لقد قطع الشعب الليبي حتى الان شوطا مهما في معركته من اجل الكرامة والحرية وهوالذي اعلن ومنذ البداية رفضه لاي تدخل عسكري خارجي لادارة المعركة نيابة عنه ليسحب بذلك البساط امام المراهنين على تكرار الجريمة المرتكبة في العراق التي خطط لها المحافظون الجدد الذين كانوا يسوقون بان الديموقراطية لا تصل العالم العربي الا على ظهر الدبابات...