آسيا العتروس في اللحظات الاولى من فجر الامس اختار سيف الاسلام القذافي قطع الصمت ومخاطبة الشعب الليبي وهو الذي لايملك ادنى شرعية باستثناء انه نجل "الزعيم "القذافي الذي احكم قبضته على ليبيا وثرواتها طوال اربعة عقود ليوجّه خطابه وتهديداته الوقحة الى المتظاهرين مخيرا اياهم بين الاستبداد وبين الحرب الاهلية وحمام لا ينتهي من الدم. ولعل الاهم ان رد الشارع الليبي لم يتاخر كثيرا وعلى عكس توقعات وحسابات سيف الاسلام الذي كان يعتقد انه سيرهب بكلماته المتظاهرين فقد اجج مشاعرهم ودفع بهم الى التمسّك بالخيار الذي كانوا اعلنوه وقد جاء الرد على الرسالة التي حملها سيف الاسلام باسرع من المتوقع ورفض المتظاهرون الدخول في لعبة المزيادات والمقايضات... قبل ايام فقط تداول اهل ليبيا نكتة ساخرة حول اعتزام القذافي الغاء يوم الجمعة نهائيا من رزنامة ايام الاسبوع تفاديا بذلك الوقوع فيما سبقه اليه بن علي ومبارك ولكن يبدو ان الشعب الليبي سيسقط رهان القذافي... من بنغازي المدينة التي اطاح فيها القذافي بالملك ادريس السنوسي قبل اكثر من اربعة عقود كان الانفجار الذي لم يتاخر في الامتداد الى العاصمة طرابلس الامر الذي لم يكن ليروق لسيف الاسلام وهو الذي كان يستعد لخلافة والده مراهنا على الثروات النفطية للبلاد في كسب تاييد الغرب له... كل شيئ ومنذ البداية كان يوحي بان المتفرج يجلس امام دكتاتور ليس بالصغير فقد كانت تقاسيم وجهه وحركاته بالاضافة الى كلماته التي كان دوّنها امامه على الورق تعكس مدى استعداده لقمع الشعب الليبي حتى اخر فرد منه اذا اقتضى الامر...ليبيا ليست تونس ليبيا ليست مصر كلمات سبقها اليه غيره قبل ان يسبق السيف العذل ويقول الشعب كلمته ازاء الظلم والاستبداد...حاول الاستقواء برئيس الوزراء الايطالي برلسكوني الذي لم يتردد في تقبيل يد القذافي والانحناء امامه في خيمته من اجل عقود النفط قبل ان يلوح بورقة الاحتلال ويحذرمرة من مخاطر التدخل الاجنبي في بلاده واخرى من مخاطر الاسلاميين المتطرفين. سيف الاسلام الذي طالما سوّق في مختلف العواصمالغربية التي كانت وجهته الاساسية بانه افضل من يعتنق مبادئ الانفتاح والاصلاح التي ستضمن مصالح الغرب في المنطقة اسقط كل الاقنعة التي كان يتوارى خلفها واظهر الوجه الحقيقي الذي لم يكن يخفى على من خبر حماقات رموز هذا النظام ازاء الشعب الليبي بالدرجة الاولى وازاء دول الجوار وغيرها ايضا من الدول... وقد كانت حركاته المتشنجه وحدها كفيلة بتحليل حالته النفسية في تلك اللحظات التي اعلن خلالها عن وعي او عن غير وعي نهاية النظام المحتضر في ليبيا وحالة التخبط التي لم تنجح كل عمليات التجميل والدعوات لتنظيم مظاهرات مؤيدة للعقيد القذافي خرج يقودها بنفسه في اخفاء حقيقة المشهد الراهن في ليبيا بعد ان نجحت بنغازي في قلب المعادلة القائمة برغم التعتيم وبرغم كل محاولات الترهيب وتقييد حركات ابناء الشعب الليبي فان ثورة المعلومات كانت اسرع واقوى من كل القيود التي حاول العقيد الليبي والمرتزقة الذين استقدمهم اللجوء اليها وقد تابع العالم في صمت رهيب اطوار الجريمة التي ارتكبت بدم بارد في حق الشعب الليبي الذي اختار بدوره كسر جدار الخوف ووضع حدا للنظام المتخلف الذي حكمه طوال اربعة عقود وصادر حق اكثر من جيل في تقرير المصير. وفي انتظار نهاية المخاض الليبي فان كل المؤشرات تؤكد ان حمام الدم القادم قد يفوق كل التوقعات وان الغرب لن يجد حرجا بعد ذلك في احصاء قوافل الضحايا المدنيين وهوالذي كان يعرب عن الرضا والسعادة ازاء سياسات القذافي الذي سعى اليه توني بلير كما سعت اليه غونداليزا رايس وساركوزي وغيره وهم يستجدون العقود النفطية...