حامد النقعاوي إني لا أصدق أن الشعب التونسي قد ينسى فضيحة الفصلين 56 و57 من الدستور، كيف حاول الوزير الأول السابق ترك منفذ لعودة الرئيس الهارب بمقولة أن هربه ما كان إلا عجزا مؤقتا، والحال أنه هرب مخلفا عارا لا ينمحي. يبدو أن ترك الثغرات بات سياسة تنتهج في بلادنا، وفيما يلي مظهر آخر من مظاهر ترك المنافذ. قام المحامي فوزي بن مراد بقضية لحل التجمع الدستوري الديمقراطي بطلب من وزير الداخلية، وجاء بعريضة افتتاح الدعوى أنه قام بها نيابة عن المكلف العام بنزاعات الدولة في حق وزارة الداخلية. عند نشر هذه القضية طرح موضوع جانبي لا أهمية له لكنه شد أغلب المنشغلين بالشأن القضائي، لقد افتقد المحامي المذكور إلى تكليف كتابي من المكلف العام بنزاعات الدولة، وراح وزير الداخلية يمارس الضغوط على المكلف العام بنزاعات الدولة لتسليم هذا التكليف إلى المحامي المذكور رغم أنه لم يكلفه، فتم تمكينه من هذا التكليف تحت الضعط الشديد، وعندئذ راح المحامي المذكور يوجه تهما وينسب أمور إلى مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة في تلك القناة التلفزية التي قبلت به على نحو ينسجم مع المثل القائل أن الشيء من مأتاه لا يستغرب. المهم فيما ذكر أن الخلل الشكلي والصعوبة الوحيدة التي كان المحامي يلاقيها على حد قوله هي عدم حصوله على تكليف كتابي من المكلف العام بنزاعات الدولة، لكنه بذلك يسعى إلى التغرير بالجميع، فالأزمة القانونية التي وضعنا هذا المحامي فيها هي أن المكلف العام بنزاعات الدولة لا صفة له في القيام بهذه القضية أصلا، وإنما ترجع الصفة إلى وزير الداخلية، ويكفي الإطلاع على قانون الأحزاب للتأكد من ذلك فهذا القانون ينص على أن دعوى حل الحزب ترفع بعريضة بقدمها وزير الداخلية، وهذا يعني أن صفة القيام بطلب حل الحزب ترتبط بصفة وزير الداخلية، ويمكن الرجوع إلى شرح أسباب قانون الأحزاب، فالفرق واضح بين الدولة التي يمثلها المكلف العام وبين وزير الداخلية الذي لا حق للأول في تمثيله، ولا يحمل المشرع على العبث إذ لو كان يقصد بالصفة المكلف العام بنزاعات الدولة لنص على ذلك، أو لاعتمد عبارة الدولة أو على الأقل وزارة الداخلية، علما بأن الوزارات لا تتمتع بشخصية قانونية مستقلة عن شخصية الدولة. وشرط الصفة في القيام بالقضايا يهم النظام العام وتثيره المحكمة من تلقاء نفسها حسب الفصل 19 من م م م ت، وتسوغ إثارته ولو لأول مرة لدى محكمة التعقيب. قد يرى المواطن التونسي أن حل الحزب المذكور مطلب شعبي وبالتالي يجب الإستجابة له بأي شكل قانوني وتحت أية ظروف، وهذا صحيح في هذه الفترة التي يحاول الجميع فيها إرضاء الشعب، ولكن هل نظمن بقاء الأمر على حاله بعد مضي فترة طويلة؟ ولمزيد التوضيح فإن الحكم الذي قد يصدر بحل الحزب سوف يكون عرضة للنقض استئنافيا، وإن لم يتم نقضه لدى الإستئناف إرضاء للشعب فإنه يبقى عرضة للنقض تعقيبيا، وهذا منفذ للتجمع الدستوري الديمقراطي للرجوع مرة أخرى للساحة السياسية إذا تسنى له نقض الحكم المختل، وربما يقال عندئذ أن الظروف السياسية تغيرت فلا داعي لإعادة القيام بالدعوى ضد التجمع. أما إذا أغفل القضاء هذا الخلل الشكلي خلال كامل الاطوار فإن الشعب التونسي يكون قد كسب حل الحزب المذكور وخسر استقلالية القضاء، فلمذا يضعنا المحامي المذكور بين خيارين أحلاهما مر؟ لماذا لم يصلح قيامه قبل نشر القضية وقد سبق تحذيره في مقال نشر بصحيفة "الصباح"، ثم إذا كان المحامي غير مقتنع بانعدام صفة المكلف العام فلمذا لم يقم بالقضية في حق هذا الأخير بمعية وزير الداخلية وبذلك يضمن عدم رفض دعواه مهما كان الأمر، لماذا لم يتخذ من الإحتياطات ما يمنعنا من الوقوف هذا الموقف؟ ثم إننا نتساءل هل أن المحامي الذي اختاره وزير الداخلية هو الأنسب وطنيا، ألا تزخر البلاد بالمحامين الأكفاء من ذوي الأقدمية؟ والمعرفة والحنكة، فما هو السبب الحقيقي إذن لاختيار المحامي فوزي بن مراد؟ أما عن التكليف الصادر عن المكلف العام بنزاعات الدولة للمحامي المذكور فقد نص على انابة المحامي لتمثيل وزير الداخلية دون غيره وفي ما يلي ننشر هذا المكتوب الصادر في غرة مارس 2011، في حين أصر المحامي نيابة المكلف العام بنزاعات الدولة في حق وزارة الداخلية وليس وزير الداخلية مما يدل على أن هذا الخطا متعمد.