بقلم: الدكتور منور نصري نواصل في هذا الجزء نشر طرح الدكتور منور نصري للاصلاحات التربوية: لا ديموقراطية بدون قيم مواطنة واذا كانت ثورة الشعب التونسي تهدف الى إرساء نظام ديموقراطي يقوم على احترام القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان فمن الواجب على المنظومة التربوية ان تؤسس لذلك منذ السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية او حتى منذ رياض الأطفال... على المؤسسة التربية ان تراجع برامجها وكتبها ووسائل عملها وأساليب التنشيط البيداغوجي المعتمدة فيها وفق ما يتطلبه ترسيخ قيم المواطنة وحقوق الإنسان لابد ان يكون التلميذ منذ المرحلة الابتدائية عارفا ببعض المبادئ القانونية المبسطة التي تجعله يدرك العديد من جوانب الحياة المدنية، ينبغي ان يبدأ التلميذ بادراك حقوقه وواجباته في المنزل مع أبويه وإخوته ثم في حيه بين انداده والذين يصغرونه او يكبرونه سنا وبين جيرانه من الكهول والشيوخ، ثم في مدرسته بين رفاق المدرسة والمعلمين والمدير والحارس، ثم في قسمه مع معلمه ورفاقه، وليكون التلميذ قادرا على العيش في مجتمع مدني ومتفاعلا معه ايجابيا، لابد ان تكون له معرفة مبسطة بالدستور وبالاعلان العالمي لحقوق الانسان وبحقوق الطفل وبقانون تكوين الجمعيات والأحزاب السياسية وبالمنظمات الوطنية والعالمية التي تهتم بحقوق الإنسان والطفل وبالأحزاب الموجودة في البلاد وتوجهاتها العامة, لابد كذلك من مضاعفة الاهتمام بالحوار داخل المؤسسات التربوية وجعل التلاميذ يمارسون حرية حقيقية في التعبير عن وجهات نظرهم واقتراحاتهم وتمكينهم من تنشيط حلقات الحوار. بناء منظومة تربوية وطنية لا تخضع لتأثيرات أجنبية تحتاج تونس بعد ان تغلب التونسيون على نظام الاستبداد واستطاعوا انتزاع حقوقهم وأصبحوا مالكين حقيقيين لتونس ومواطنين أحرارا الى منظومة تربوية وطنية تخدم مصالح التونسيين وتقوم على أسس فلسفية تونسية صرفة وتحكمها غايات تصوغها النخب التونسية الممثلة لأصناف المربين ولاطياف الشعب التونسي بعيدا عن أي تأثيرات أجنبية سواء كانت صادرة عن دول او منظمات عالمية او مؤسسات بنكية دولية، لقد بينت التجارب التي عاشتها تونس منذ اواخر الثمانينات ان الاصلاحات التربوية التي عرفتها المنظومة التربوية لم تساعد على تحسين مردود المؤسسة التربوية بل ان صرخات الاستغاثة ما تنفك تزداد نتيجة لتفاقم الصعوبات وتراجع مستوى المتعلمين ومن الأسباب التي ساهمت في ذلك التأثيرات الأجنبية المختلفة التي تحرص على توجيه التربية في بلادنا بشكل يضمن مصالحها ويساعد على تخرج التلميذ التونسي وفق ملامح تخدم تلك المصالح. ضمان المجانية الحقيقية للتعليم وتجنب تحويل قطاع التربية الى سوق ومحتويات التربية الى سلعة منذ اواخر السبعينات لم يعد التعليم مجانيا بحق، لان المعاليم التي يدفعها التلاميذ واقتناء الكتب والكراسات ومصاريف التنقل واللباس المناسب للدراسة ولوازم الرياضة وساعات التدارك والساعات الخصوصية وغيرها من المصاريف تثقل كثيرا كاهل الأولياء وخاصة محدودي ومنعدمي الدخل والذين لهم عدة أطفال يذهبون الى المدارس، ان الدروس الخصوصية وحدها تكلف صاحب الدخل المحدود راتبه الشهري كاملا او أكثر عندما يكون له اكثر من ابن واحد يتمتع بتلك الدروس ولقد تفشت ظاهرة الدروس الخصوصية ولم يسلم منها حتى تلاميذ السنة الاولى ابتدائي وارتفع ثمنها بشكل ادخل عديد العائلات في عجز حقيقي ويزداد عجز الاولياء ماليا عندما يتلقى الابن دروسا خصوصية في مواد دراسية مختلفة ان هذه النزعة نحو جعل المحتويات الدراسية سلعة consumérisme et pédagogie bancaire selon l?expression de philippe meirieu) يستفيد منها ابناء ذوي الدخل المرتفع ويحرم منها ابناء الفقراء جعلت المؤسسة التربوية تمارس التمييز بين المتعلمين على اساس القدرة المادية للولي رغم ما ترفعه من شعارات تهم المساواة بين التلاميذ بعد الثورة التي قام بها الشعب لابد من ايجاد حلول تسمح بجعل التربية بحق في خدمة ابناء الشعب دون تمييز.
تنويع الفاعلين في المؤسسة التربوية لتحسين مردودها ولإيجاد مواطن شغل جديدة لبعض الاصناف من حاملي الشهادات العليا
لم يعد المعلم وحده قادرا على تقديم الافادة المرجوة للتلميذ في المرحلة الابتدائية فهناك مواد دراسية عديدة وأنشطة ثقافية تحتاج الى وجود فاعلين آخرين غير المعلم، المواد هي اللغة الانقليزية والاعلامية والتربية الموسيقية والتربية التشكيلية والتربية البدنية بالنسبة الى كل المستويات من الأولى الى السادسة والأنشطة الثقافية هي مثلا المسرح والتربية الصحية والتربية المرورية.. وتضاف الى المواد الدراسية والأنشطة الثقافية التي تتطلب فاعلين آخرين غير المعلم الأعمال المتصلة بتأطير التلاميذ ومتابعة ظروفهم الاجتماعية والصحية والنفسية وصعوباتهم الدراسية والعلائقية وتكيفهم مع المحيط المدرسي. لذلك تحتاج المدرسة الابتدائية لتحسين مردودها تحسينا حقيقيا يرقى بها الى مستوى الجودة المنشودة الى ان يعمل بها الى جانب المعلمين مربون جدد من أصناف مختلفة مثل أساتذة اللغة الانقليزية والاعلامية والتربية الموسيقية والتشكيلية والمسرحية والاخصائيون النفسيون والاجتماعيون وهذا من شأنه ان يفتح أبوابا جديدة لتشغيل حاملي الشهادات العليا. الشفافية في المناظرات الخارجية والداخلية وفي اسناد الخطط الوظيفية ضمانا لمبدا الجدارة والاستحقاق من الأسباب الرئيسية لاندلاع الثورة انعدام الشفافية وتفشي المحسوبية والرشوة في مناظرات انتداب الشبان من بين حاملي الشهادات العليا وغيرهم حتى ان اول شعار للثورة كان «التشغيل استحقاق يا عصابة السراق» لذلك من الضروري ان تتوخى وزارة التربية بعد الثورة الشفافية في مناظرات الانتداب الخارجية التي تسمح بانتداب أعوان جدد والمناظرات والامتحانات المهنية التي تنظم لفائدة الأعوان المنتمين الى الوزارة قصد ترقيتهم في رتبهم والخطط الوظيفية التي تسند الى بعض الأعوان الذين تتوفر فيهم شروط تحددها الوزارة، ولتحقيق الشفافية المرجوة لابد من اعتماد معايير دقيقة في التقييم تمسح لذوي أفضل الكفاءات بالنجاح، ولضمان أوفر الحظوظ لتطبيق الشفافية في مختلف اصناف المناظرات، لابد من ايجاد اليات تضمن نزاهة اعضاء لجان التقييم. والامر لا يختلف بالنسبة الى الخطط الوظيفية التي لا يعرف احد كيف كان يقع اسنادها قبل الثورة وذلك لانعدام معايير واضحة في الغرض. وكثير من الموظفين الاكفاء والنزهاء لم يكن بإمكانهم البتة الحصول على خطة وظيفية بينما يتحصل على تلك الخطط من هم اقل منهم شهادات علمية وكفاءة مهنية ونزاهة، ان توخي الشفافية يجعل مناخ العمل في مؤسسات وزارة التربية سليما ويساعد بالتالي على تحسين مردود كل الأعوان وتحقيق بعض معايير الجودة. اذا كانت التربية تعتبر «كنزا مكنونا» un trésor est caché dedans على حد تعبير Jacques Delors فانها لم تعد كذلك في بلادنا منذ اواخر الثمانينات لان المتعلمين وأولياءهم فقدوا جزءا كبيرا من ثقتهم فيها منذ ان صار خريجوها لا يجدون عملا لائقا يحفظون به كرامتهم ولان النزعة التجارية تفاقمت في المدارس من خلال ظاهرة الدروس الخصوصية فتحولت الدروس الى سلعة لا يستطيع ابناء الفقراء شراءها ولان الانتداب في التعليم يمر عبر شبكات الرشوة والمحسوبية والفساد.. لذلك لابد من إصلاح المنظومة التربوية في ضوء قيم ثورة جانفي لتصبح بحق في خدمة الشعب. متفقد اول للمدارس الابتدائية بالقصرين وباحث في علوم التربية