لا بدّ أن يكون الحكم الصّادر - أمس - عن المحكمة الابتدائيّة بتونس والقاضي باقرار حلّ حزب التّجمّع الدّستوري الدّيمقراطي قد أثار في نفوس الكثير من التّونسيّين بمختلف انتماءاتهم السّياسيّة والفكريّة كمّا من المشاعر و"الخواطر" المختلفة... فهاهو الحزب "القويّ" و"العتيد" كما كان يوصف من طرف "الملايين" من منتسبيه - طوعا أو كرها - ومن طرف أبواق الدّعاية والتّضليل الاعلامي على عهد رئيسه و"رئيس كلّ التّونسيّين" المجرم زين العابدين بن عليّ ... ها هو يلاحق قضائيّا ويصدر في حقّه حكم ابتدائي يقضي بحلّه وحظر نشاطاته... انّها - فعلا وبكلّ المقاييس - لحظة "قضائيّة" و"سياسيّة" فارقة في تاريخ تونس المعاصر ... لحظة تبدو مثقلة بالدّلالات الّتي تحيل - لا فقط - على عمق وجذريّة التّحوّلات والتّغييرات الّتي أحدثتها - ولا تزال - ثورة 14 جانفي المجيدة على مختلف الأصعدة وبخاصّة على "توجّهات" وطبيعة سير عمل أجهزة الدّولة ومؤسّساتها المختلفة ، القضائيّة منها والاداريّة والأمنيّة وغيرها ... وانّما أيضا على "بركة" هذه الثّورة العظيمة ، نعم نقول "بركة" الثّورة لأنّ ما تحقّق من مكاسب بفعل قيامها منذ 14 جانفي والى غاية اليوم يعتبر - قطعا - مراكمات ايجابيّة ثمينة على رصيد المنجز السّياسي المدني و الحضاريّ والاصلاحي والتّنويري الّذي تحقّق - تاريخيّا - لتونس وللتّونسيّين على مدى تاريخ هذا الوطن العزيز ... مكاسب ومنجزات تبدو في حدّ ذاتها ولفرط أهميّتها وسعتها وشموليّتها وقياسا - أيضا - بالمدّة الزّمنيّة الوجيزة الّتي تحقّقت فيها... تبدو أقرب الى "المعجزة" والعطاء الالاهي ... طبعا ، وحتّى لا نفهم خطأ ... فانّنا نبادر بالقول - هنا - أنّ هذا لا يعني أنّنا نعتبر الحكم القضائي الصّادر والقاضي ابتدائيّا بحلّ حزب "التّجمّع" منجزا من منجزات الثّورة المباركة ولا هو بمثابة العطاء الالاهي - كما قد يتبادر الى الذّهن - ... كما أنّنا لسنا - وبأيّ شكل من الأشكال - في وارد اظهار الشّماتة بحزب "التّجمّع الدّستوري الدّيمقراطي" المنحلّ ولا "بمناضليه" وكوادره ... فالمسألة هي اليوم ذات صبغة قضائيّة - بحتة - ولا تبدو - على الأقلّ في طورها هذا - ذات بعد سياسي لذلك لا يجوز لأيّ كان أن يحاول التّأثير على مجرياتها أو أن "يتكلّم" فيها من خارج الفضاء القانوني والقضائي والحقوقيّ ... على أنّ هذا لا يحول - طبعا - دون حقّ كلّ متابع للشّأن السّياسي في تونس على مدى العشريّتين الماضيتين في أن يتساءل مثلا - وهو يطّلع اليوم على هذا الحكم القضائي الصّادر في حقّ "التّجمّع" - : كيف ، ولماذا لم "تشفع" لهذا الحزب "القويّ" و"العتيد" هيبته وسطوته و"قوّته" الّتي كان يدّعيها بصفته "الحزب الحاكم" ... وهل أحسن "مناضلوه" وكوادره الاختيار عندما ارتضوا لحزبهم أن يتماهى - جملة وتفصيلا - مع الدّولة بل وأن يصبح "التّجمّع" هو الدّولة والدّولة هي "التّجمّع" ؟ هل كان حزب "التّجمّع الدّستوري الدّيمقراطي" سيؤخذ بجريرة الفساد الّذي طال أركان الدّولة في عهد المجرم بن عليّ لو أنّه حافظ على المسافة المعقولة الّتي كان يجب أن تظلّ تفصله و "تميّزه" كحزب سياسي عن ممارسات "دولة" الدّيكتاتور المجرم بن عليّ وحاشيته وأفراد اسرته الموسّعة ؟ ... أم أنّ الأحزاب السّياسيّة - في المطلق - يجري عليها - حتما - ما يجري على مختلف "الكائنات" والمخلوقات الحيّة من أنّها تشيخ وتهرم ... ثمّ تموت ... وأنّ هذه هي حركة التّاريخ الّتي لا رادّ لحكمها ؟؟؟