محمد مقداد المستوري دكتور دولة في القانون وأستاذ مشارك في القانون الجبائي، شغل سابقا خطة مراقب عام للمصالح العمومية في الوزارة الأولى قبل أن تتم تسميته في أوت 1998 على رأس المطبعة الرسمية... وهناك بدأت مشاكله مع أصحاب المصالح وانتهى به المطاف في السجن ليحكم عليه بأربع سنوات دون ذنب اقترفه ولا جرم. "الصباح" التقت أمس السيد مستوري وهو أصيل مدينة سيدي بوزيد باعثة ثورة تونس المجيدة. وقد حدثنا عن مأساته وصراعه الطويل مع الفساد والمفسدين وخاصة مع المستشار الرئاسي عبد الوهاب عبد الله والذي انتهى بالزج به في ظلمات السجن. البداية انطلقت حسب محدثنا في أكتوبر من سنة 2001 بصور الرئيس المخلوع التي كان يطبع منها الملايين في المناسبات..وكانت طباعة هذه الصور من مشمولات المطبعة الرسمية بطلب من الوزارة الأولى..وتقبل المطبعة الرسمية العرض وتتولى طباعة الصور لدى شركة خارجية عن طريق المناولة باعتبار أن المطبعة الرسمية لا تتوفر على آلة طبع مختصة وذات أربعة ألوان. في ذلك الشهر وقبل أيام من الاحتفالات السنوية بذكرى انقلاب 87 أرسلت الوزارة الأولى ممثلة في الكاتب العام للحكومة لإدارة المطبعة الرسمية تعلمها فيه بضرورة مراجعة الثمن المقدم في الرد على طلب العروض الخاص بصور رئيس الجمهورية والتي تم تحديده من قبل الأطراف المسؤولة في المطبعة الرسمية ب 2,2 مليون دينار دون الاداءات...ووصل هذا الطلب رئيس مدير عام المطبعة الرسمية الذي تفاجأ بدوره بهذا السعر..وطلب الملف من الإدارة المسؤولة لإعادة دراسته.واكتشف أن أقصى مبلغ تم التعامل به سابقا في نفس هذه العروض وفي سنة انتخابات لم يتجاوز ال 850 ألف دينار... وحسب السيد المستوري تمت دراسة الملف من جديد وتمت الإجابة على طلب عروض الوزارة الأولى بتحديد سعر الطلب ب 180 ألف دينار لا غير بعد ان كان السعر في البداية 2,2 مليون دينار وهو ما يعني أن فارق السعر كان في حدود 2 مليون دينار تقريبا!!! وبعد مزيد التثبت في الملف تم اكتشاف أن الشركة التي تتولى طباعة الصور ليست سوى شركة "اغفا اديسيون" وهي شركة يملكها فعليا المستشار عبد الوهاب عبد الله تحت غطاء أحد المتصرفين... وتم اتخاذ قرار باقتناء آلة للمطبعة الرسمية تعمل بأربعة ألوان وهو ما يعني وقف العمل بالمناولة وبالتالي التوقف عن العمل مع مطبعة عبد الوهاب عبد الله...ومنذ ذلك الوقت بدأت المكائد حيث وحسب ما أفاد السيد محمد مقداد المستوري اتصل عبد الوهاب عبد الله بالرئيس المخلوع وأكد له أن مدير عام المطبعة الرسمية تطاول على "مقامه" ورفض طباعة صوره...فصدرت الأوامر بالتعامل وبسرعة كانت فرق المراقبة تصول وتجول في المطبعة الرسمية وتحبر ما تشاء من التقارير وفق تعليمات واضحة وصريحة صادرة عن قصر قرطاج. صفقات جوازات السفر والى جانب ملف صور الرئيس المخلوع التي كان البعض وعلى رأسهم عبد الوهاب عبد الله يكسب منها المليارات سنويا، كان التكسّب والفساد حسب السيد محمد مقداد المستوري كذلك من جوازات السفر وذلك في إطار صفقات مع جهات أجنبية. وحول هذا الملف يقول المدير العام السابق للمطبعة الرسمية أن جوازات السفر التونسية كانت تعّد بالكامل في ايطاليا بما في ذلك الطابع الجبائي،ثم تسلّم للدولة التونسية في شخص المطبعة الرسمية التي تقتصر على خياطة هذه الجوازات...وكانت هناك صفقات وعمولات ترافق هذا الملف مع أطراف أجنبية...ويؤكد السيد محمد مقداد المستوري انه وعند توليه مسؤولية إدارة المطبعة الرسمية وجد مشروعا جاهزا لبناء مطبعة أمنية في القصبة بكلفة حددتها الجهات الايطالية المتعامل معها ب13 مليون دينار ..وبعد إعادة فتح الملف ودراسته تم التأكد من عدم جدوى المشروع باعتبار أن تونس لا تطبع سنويا سوى 350 ألف جواز سفر تقريبا وبالتالي تصبح الجدوى من مطبعة أمنية منعدمة.زيادة على ذلك يشير السيد المستوري انه وخلال مهماته الخارجية بمعية موظفين سامين في وزارة الداخلية تم التأكد من أن جل الدول وحتى الكبرى منها بما في ذلك ايطاليا التي تتعامل معها تونس في المجال وكذلك فنلندا وكندا وألمانيا وفرنسا... ليس لها مطابع أمنية بل تقتصر فقط على "ورشة أمنية" مؤمنة....لذلك تمت مكاتبة الوزارة الأولى وتنبيهها للموضوع مع التأكيد على إمكانية طباعة جواز السفر في تونس بتكلفة لا تتجاوز ال 5 بالمائة تقريبا من الثمن الذي كان سيخصص لبناء المطبعة الأمنية... وبالفعل تمت الاستجابة والتخلي عن المشروع وأصبح جواز السفر (وهو الجواز المعمول به حاليا) يطبع ويجهز بالكامل في تونس بتكلفة اقل بكثير من التكلفة السابقة. ونتيجة كل ذلك أن المتمعشين من الصفقات لم يعجبهم هذا التمشي..خاصة مع توالي الضربات ضدهم من صور الرئيس المخلوع إلى المطبعة الأمنية إلى جوازات السفر.. فكان قرار الانتقام بالزج بالطرف المسؤول عن كل ذلك وهو مدير عام المطبعة الرسمية في السجن. وكان لهم ما أرادوا بعد أن وجهت للسيد محمد مقداد مستوري تهمة "استغلال موظف عمومي لوظيفته لفائدة غيره ومخالفة التراتيب والإضرار بالمؤسسة" وتم حفظ تهمة استغلال موظف عمومي لوظيفته الخاصة المباشرة وغير المباشرة...والغريب أن المكلف العام بنزاعات الدولة وهو الطرف الذي يرفع القضايا في حق الدولة نفى علمه بالقضية أصلا كما أن الأرقام كانت تشير إلى نمو كبير في مداخيل المطبعة الرسمية..ورغم ذلك حكم على السيد المستوري بالسجن لمدة 5 أعوام تم النزول بها إلى 4 لاحقا قضى منها عامان و5 أشهر و18 يوما قبل الخروج بعفو...بعد أن رفض وساطة من محامي محمد الناصر الطرابلسي طالبا دفع "رشوة" حددت ب 150 ألف دينار لتبرئته...