يمكن القول، أن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، تعدّ أحد الأحزاب التي لم تستفيد من الثورة، بعد أن خرجت بأزمة جديدة تنضاف إلى سلسلة الأزمات التي عرفتها خلال تاريخها الذي يمتدّ على أكثر من ثلاثين عاما.. ففي الوقت الذي كان المراقبون، يتوقعون عودة قوية للحركة في السياق الديمقراطي الجديد الذي تشهده البلاد في أعقاب الثورة التونسية، سيما وأن أدبيات الحركة وخبرة قيادتها، تؤهلها لكي تكون الحزب الأكثر قابلية لاستيعاب المناخ السياسي الجديد، فوجئ الجميع بدخول الحركة في تجاذبات بلغت حدّ الصراع بين كتلتين: واحدة يقودها أحمد الخصخوصي وتصف نفسها ب "الشرعية"، وكتلة الحزب الذي كان يرأسه السيد إسماعيل بولحية قبل الثورة ومنذ العام 2004، تاريخ المصالحة بين مجموعتي مواعدة وبولحية.. الصراع بين الطرفين انطلق حول مقر الحزب في جون جوراس، بعد أن احتلته جماعة الخصخوصي، ما جعل قيادات الحزب وكوادره تتشتت بين مقرات عديدة حول العاصمة، بعد أن قدمت دعوى قضائية ضد الخصخوصي، ثم تطورت الأمور بشكل متسارع لاحقا، في اتجاه التسوية السياسية، عبر عقد مؤتمر مشترك يفضي إلى قيادة موحدة، وتم التوسط بهذا الشأن بين المجموعتين، لكن الأمور سارت عكس هذا الاتجاه.. وساطات لم تنجح فقد شكل السيد أحمد الخصخوصي في مرحلة أولى، لجنة تنفيذية تتألف من ثلاثة شخصيات: الخصخوصي رئيسا، ومحمد علي خلف الله ناطقا رسميا، وعبد اللطيف البعيلي مكلفا بالإدارة، مقصيا بذلك جميع القيادات التي كانت تمسك بدواليب الحركة.. وكانت عدة وجوه من الحركة قامت بوساطات بينها، علية العلاني ومحمد علي خلف الله ومنصور العامري وأحمد زغدان، لرأب الصدع صلب الحركة، والحفاظ على وحدتها وعدم تشتيتها، وتم الاتفاق في هذا السياق، على عقد مجلس وطني يضم أعضاء الحركة منذ مؤتمر 1993، تتمخض عنه لجنة متناصفة تعدّ لمؤتمر استثنائي، لكن الجميع فوجئ ببيان وقعه الخصخوصي، ثبت من خلاله اللجنة التنفيذية، في رسالة واضحة مضمونها، رفض المضي باتجاه خيارات غير المجلس الوطني الذي تم الاتفاق عليه، وهو ما أثار انتقادات من داخل كتلة الخصخوصي، ونعني بذلك السيدين محمد علي خلف الله ومنصور العامري، اللذين كذبا بيان الخصخوصي، والنتيجة لكل ذلك، اتجاه الحركة إلى مؤتمرين اثنين، تمخض عنهما قيادتان، ما جعل الحركة بنصفين ورأسين، وهو ما يذكر المراقبين بفترة النصف الثاني من تسعينيات القرن المنقضي، عندما غادرها محمد مواعدة في إطار خلاف مع الرئيس المخلوع، وظل يعتبر مجموعته الممثلة "الشرعية" للحركة، قبل أن ينعقد المؤتمر التوحيدي في 2004 الذي لملم شتات الحركة.. تساؤلات بارزة صحيح أن المجموعتين عقدتا مؤتمرين انتهيا إلى إفراز قيادتين برأسين: أحمد الخصخوصي على رأس "الشرعيين" كما يوصفون، والطيب المحسني الذي بات يقود الشق الثاني من الحركة، بعد مؤتمر انتظم تحت رقابة عدول الإشهاد في جميع أطواره الانتخابية، لكن هل أن هذا الوضع الجديد، مفيد بالنسبة لحزب في حجم حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، وطابعها الوسطي، وخلفيتها الديمقراطية، وخبرة قيادتها بالسياسة، والذي كان يمكن لها أن تستفيد من الزخم الجديد السياسي الذي أفرزته الثورة ؟ ثم هل من المعقولية السياسية القفز على الأمانة العامة المنتخبة بذريعة "اللحظة الثورية" واستحقاقاتها ؟ ألم يكن من الأجدى للحركة الذهاب إلى مؤتمر استثنائي تحضره جميع الأطراف، ويناقش فيه مستقبل الحزب بكامل الشفافية والصراحة، ثم يكون الصندوق الانتخابي هو الفيصل في حسم الصراع صلب هذه المؤسسة السياسية العريقة في المشهد السياسي ببلادنا ملاحظات، لا نعتقد أن وقتها قد انقضى، وبالإمكان خروج حركة الديمقراطيين الاشتراكيين من هذه الأزمة الجديدة بصيغة أفضل، من شأنها الحفاظ على وحدتها من ناحية، وضمان انخراطها في الاستحقاقات القادمة بأكثر فاعلية.. فهل في الحركة "رجل رشيد" ؟