عاجل/ منع أعضاء المجلس المحلي للتنمية بهذه الجهة من الدخول إلى مقر المجلس..    11 حالة وفاة في يوم واحد    تونس: قطاع الصناعات التقليدية وفّر 7000 موطن شغل    اتحاد الفلاحة : لم يتم الاتفاق على سعر بيع الكلغ للأضاحي ب900ر21 دينار ''حيّ''    الولايات المتحدة: ننتظر رد حماس على اقتراح وقف إطلاق النار..    المنتخب الوطني: التشكلية المحتملة لمواجهة غينيا الاستوائية    مفزع/ حوادث: 11 حالة وفاة خلال 24 ساعة..    معرض الصحف التونسية لليوم الأربعاء 5 جوان 2024    بنزرت: إنطلاق اختبارات الباكالوريا في 27 مركز امتحان    16 سجينا مترشحا لاختبارات الباكالوريا هذه السنة    ميلوني : تدفقات الهجرة تراجعت بنسبة 60% بفضل علاقات التعاون مع تونس وليبيا في المقدمة    ينتظم الأسبوع القادم بحضور رئيس الحكومة منتدى تونس للاستثمار تحت شعار «تونس، حيث تلتقي الاستدامة والفرص»    زلزال بقوة 5.3 درجات يضرب هذه المنطقة..    أسعار بيع الحبوب المزارعون ينتظرون التسعيرة الجديدة ويأملون الترفيع فيها    أخبار النادي الإفريقي: تأجيل الجلسة الانتخابية ومسؤولية تاريخية للحكماء والسوسيوس    تونس صقلية منتدى حول فرص الاستثمار والتبادل في مجال الصناعات الغذائية    طاقة مستقبلية واعدة ..الهيدروجين الأخضر .. طريق تونس لتفادي العجز الطاقي    مرابيح البريد التونسي تفوق 203 ملايين دينار سنة 2023..    كيف سيكون طقس اليوم؟    وفاة شاب بصعقة كهربائية في سليمان..    أخبار المال والأعمال    عاجل/ إطلاق نار في محيط السفارة الأمريكية ببيروت..    هام/ انطلاق الدورة الرئيسية لامتحانات البكالوريا..عدد المترشحين وسن أكبر مترشح..    تقرير: علامات التقدم في السن تظهر على بايدن في الاجتماعات الخاصة مع قادة الكونغرس    بطولة رولان غاروس للتنس: سينر وألكاراز يضربان موعدا في نصف النهائي    اليوم: انطلاق الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا    بالفيديو: عراك تحت قبة البرلمان التركي بين نواب حزبين    الكونغرس الأمريكي يوافق على مشروع قانون لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية    لشبهات غسيل الأموال ..الاحتفاظ برجل الأعمال حاتم الشعبوني    لقاء يجمع وزير الصّحة بنظيره المصري    وفد صيني يزور مستشفى الرّابطة ويتعرف على التّجربة التّونسية في مجال طب وجراحة القلب والشّرايين    مبابي يستعد لمقاضاة باريس سان جيرمان    بورتريه .. جو بايدين... الضّائع    السّواسي... كان عائدا بعد صلاة الصّبح ..وفاة مؤذن نهشته كلاب سائبة    استفسار حول تأثير التطعيم    رئيس الجمهورية يهتم بمشروع تنقيح عدد من فصول المجلة التجارية المتعلقة بنظام التعامل بالشيك    سيول .. رئيس الحكومة يلتقي رئيس موريتانيا    بوادر صابة القمح الصلب واللين محور لقاء رئيس الدولة بوزير الفلاحة و كاتب الدولة    الدورة 19 للمهرجان الدولي للفيلم الشرقي بجنيف: مشاركة 4 أفلام تونسية 2 منها في المسابقة الرسمية    تونس الثقافة والأدب والموسيقى تشع في الصين من خلال زيارة رئيس الجمهورية    في ندوة حول الملكية الفكرية والذكاء الاصطناعي: "ما يُنتجه الذكاء الاصطناعي يشرّع لانتهاك حقوق التأليف"    الاستعداد للحج .. "شوق" وعادات وفيه "منافع للناس"    تصفيات مونديال 2026 - المنتخب التونسي من اجل الفوز الثالث على التوالي والمحافظة على الصدارة    رولان غاروس: انس جابر تودع البطولة بخسارتها امام الامريكية كوكو غوف 1-2    نجم المتلوي يطالب بطاقم تحكيم اجنبي واستعمال الفار في لقائه ضد مستقبل سليمان    تفاصيل الدورة 48 لمهرجان دقة الدولي: انماط متنوّعة في دورة التأكيد    عاجل/ إعلان سعر الأضاحي بشركة اللحوم وموعد انطلاق البيع    هذا موعد رصد هلال شهر ذو الحجة    4 نصائح لمحبي اللحوم    عاجل/ هذا موعد رصد هلال ذو الحجة..    درّة زرّوق تطلق علامة أزياء مستوحاة من جدّتها    رئيس الحكومة يلقي كلمة تونس في افتتاح أشغال القمة الأولى الكورية الافريقية    عاجل : اكتشاف سلالة شديدة العدوى من إنفلونزا الطيور    "كاف" يعلن مواعيد انطلاق النسخة الجديدة لمسابقتي رابطة الأبطال والكونفدرالية    في المعهد العالي للفنون والحرف بتطاوين ...7 آلاف كتاب هبة لمكتبة المعهد    مدرسة الصفايا بالسعيدة والقضية الفلسطينية ... إبداعات تلمذية ومبادرات تنشيطية    بيت الحكمة يُصدر كتابا بعنوان "رحلة اليوسي" لمحمّد العيّاشي بن الحسن اليوسي عن تحقيق الباحث التونسي أحمد الباهي    متى تبدأ ليلة وقفة عرفة؟...وموعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حل جهاز البوليس السياسي لا يكفي
نشر في الصباح يوم 12 - 03 - 2011

بقلم محمد طعم من شأن الثورات الناجحة أن تقطع نهائيا مع ما كان سائدا، بمعنى القطع مع النظام البائد، ومع كل ما كان يرمز الى استبداده، بدءا بالدكتاتور الفار بن علي وبطانته الفاسدة، مرورا بأجهزته الأمنية ومنها «البوليس السياسي» وصولا عند أدواته السياسية، أو ما كان يسمى بالتجمع الدستوري الديمقراطي، وهذا تحديدا ما أقدمت عليه ثورتنا التونسية.
إن قرار الحكومة المؤقتة بحل جهاز البوليس السياسي التابع للنظام المخلوع هو قرار ثوري بامتياز. بعد فرار الطاغية بن علي ذليلا مدحورا وتشرد زبانيته، يعتبر حل البوليس السياسي ثاني أهم حدث شهدته تونس، وهو قطعا قرار/ حدث لا يسع المرء إلا أن يعتبره خطوة صحيحة تضع ثورتنا في الاتجاه الصحيح، وبلدنا في الموقف الأصح.
صحيح أن أول ما تباشره الثورات بعد انتصارها هو الهدم، هدم ما هو فاسد وما هو مترهل، إلا أنها لا تقتصر على ذلك، اذ الثورة بناء وتأسيس. الثورة هي احقاق للحق ورفع للظلم وانهاء القهر والقبح بجميع أشكاله وتجلياته، لهذا تظل حتى الثورات الفاشلة والثورات الدموية واعدة وجذابة.
كم أنتم نبلاء يا شهداء بلادي، وكم أنتم واعدون!
لكن، هنا تحديدا، يحق للمرء أن ينبه وأن يتساءل في الآن نفسه، التنبيه الى خطورة أن تأخذنا نشوة الفرح بعيدا وتلهينا عن التفكير بهدوء وروية عن طبيعة المهام التي تتطلبها المرحلة المقبلة، مهام قد تتساوى، ان لم تتفوق، في أهميتها مع ما انجز فعلا، مهام تتعلق بعملية بناء وتأسيس النظام السياسي ومستقبل البلاد والعباد.
أما التساؤل، هل نكتفي بقرار اداري أدى الى حل جهاز أمني (البوليس السياسي)؟ وهل نكتفي بحكم قضائي بحل جهاز سياسوي/ ميليشاوي أو ما يسمى اختزالا بالتجمع؟ قطعا، لا يمكن ذلك.
على أهميتها، قرار اداري وحكم قضائي لا يكفيان، كما أسلفنا، الثورات التي تهدم وتقطع مع الماضي هي أيضا تبني المستقبل على أسس قوامها المصارحة (الشفافية) التي تؤدي بدورها الى المصالحة. أما المصارحة، أول ما تتطلبه أن نعرف جميعا، أو نتعرف، على ما كان يقوم به هذا الجهاز المنحل باعتباره أداة قمع وارهاب. إن كنا نريد مصالحة وطنية، فليكن قوامها المصارحة التي من خلالها نتعرف على المتعاملين مع هذا الجهاز من مخبرين وعن ضحاياهم من الأبرياء، من هم هؤلاء المخبرون؟ وأين يعملون؟ وما هو مصيرهم؟ وكم من صحافيين سخروا إعلاما مأجورا كي يشوهوا الأبرياء والشرفاء؟ من هم هؤلاء، وبأية صحف يعملون؟ وكم من السياسيين، معارضين وموالين على السواء، تآمروا مع هذا الجهاز؟
الآن، وقد تخلصنا جميعا من حرج الخوف، والخوف من الحرج، فإننا نقول هذا ليس من باب التشفي، وليس من باب الانتقام أو حتى الرغبة فيه، وليس ايضا من باب التلذذ بالاطلاع على ما كان معتبرا من خفايا الأمور أو التلصص (voyeurisme) كما تلصص الجهاز المذكور على الأبرياء ودس أنفه في أدق خصوصيات الانسان بغرض الترهيب حينا والتشويه أحيانا. بل نقول هذا لأن الظلم طال الجميع دون استثناء. أليس هذا من باب المصارحة والمصالحة واحقاق الحق ورد الاعتبار لمن أهانهم وأذلهم وعذبهم وشردهم وكتم عليهم أنفاسهم داخل الوطن وخارجه، لم يكن من جهة سوى جهاز البوليس السياسي ذاته؟ ألا يدرج هذا ضمن مبدإ «معرفة الحقيقة استحقاق»؟ خاطئ لا محالة، من يعتقد بأن قرار الحكومة المؤقتة، ومن يليها، كاف بتحقيق المصالحة الوطنية والطي بشكل نهائي ومبرم مع جهاز عمره عمر دولة الاستقلال، بحيث نكتفي بحل الجهاز وربما فتح ملف هؤلاء المائتي موظف/ مخبر وإحالة من «قد» تثبت إدانته على القضاء، دون «كشف المستور» وفتح حوار مصالحة وطنية، والعمل بمقولة «عفا الله عما سلف» وكأن شيئا لم يكن.
في عالم اليوم، ونظرا لطبيعة التحديات المطروحة أمام الأمم، لا يمكن لأية دولة أن تنعم بالاستقرار والأمان دون أن يكون لديها الأدوات والامكانيات التي تؤهلها أن تكون بلدا آمنا، مستقرا، تصان فيه كرامة الفرد وانسانيته، لمَ لا يكون لتونس الغد، تونس الثورة جهاز أمني/ سياسي، مكون من خيرة أبنائها الوطنيين الأكفاء يشرف عليه القضاء وتنحصر مهمته، أولا وأخيرا، في الاهتمام بشؤون الأمن القومي/ الخارجي للبلاد وليس التجسس على من يصلي ومن لا يصلي، وكم طول ذقن هذا، وما هي الاتجاهات السياسية لذاك؟
لمَ لا تتم الاستعاضة عن الجهاز المنحل، بعد فتح ملفاته وكشف جرائمه بجهاز جديد تكون مهمته اسنادية، أي استطلاع حجم الأخطار الخارجية التي تتهدد البلاد، مهما كان نوعها، سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، وتقييمها وتقديم تقارير دورية الى السلطة السياسية كي تتخذ القرارات المناسبة بناء عليها. أليس هذا المعمول به لدى الديمقراطيات المعاصرة؟ ما المانع كي يكون لتونس جهاز أمني شبيه بوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، أو اجهزة الاستخبارات الفرنسية، أو ما يعرف بDirection Genérale de la Sécurité Extérieure، أو جهازا شبيها بجهاز حماية الدستور الألماني (Verfassung Shutz) أو الانقليزي M16؟
لأننا شعب طيب، ولأننا شعب فعلا مجبول على التسامح والعفو عند المقدرة، سيهنأ جميع الضباط والملازمين والرقباء والأعوان والمخبرين الذين نكلوا بالعباد وكادوا للأبرياء وأرهبوا الشباب، نعم سوف لن يمس هؤلاء أو عائلاتهم ولو جزء يسير مما اقترفوه من ممارسات سادية، اذ لا يوجد في تونس اليوم نوازع انتقامية بقدر ما بها من تطلعات نحو المستقبل. اطمئنوا جميعا وتذكروا فقط ما حل بزملائكم العراقيين بعد أفريل 2003، حيث لاحقتهم كواتم الصوت الحاملة لبصمات «اطلاعات» و«الباسيج»، بل انظروا ما حل وما سيحل بعناصر جهاز أمن الدولة المصري، كم أنتم سعداء أنكم في تونس، وكم تونس أسعد أنها تخلصت منكم ومن ممارساتكم السادية.
باحث ومترجم واشنطن الولايات المتحدة الأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.