يخامرني سؤال كم أودّ لو أن الإجابة عليه تأتي سريعا ألا وهو لماذا انقطع الحديث عن ملف سرقة الآثار مع أنه من الملفات الشائكة التي تهمّ الشعب أيضا تماما كما يهمّه أمر الأموال التي نهبتها عصابة النظام البائد .. فإذا كانت الأموال المنهوبة والمهرّبة تضرّ بالمستقبل الاقتصادي لتونس فإن الآثار المسروقة التي انتزع بعضها انتزاعا من المتاحف والمواقع تضرّ بتاريخ وحاضر ومستقبل هذا البلد الذي علّمنا وحذّرنا من أنّ سرقة الإرث الحضاري والمخزون التاريخي للبلاد جريمة يعاقب عليها القانون ولا يقع الاكتفاء فقط بترويج أنباء عن استعادة البعض ممّا نهب ليحل لاحقا الصمت الرهيب ... صحيح أنه وقع الإعلان عن استرجاع ما يزيد عن مائة قطعة من القطع الأثرية التي عبث بها أفراد من عائلة الرئيس المخلوع لكن لم يقع الإعلان لا عن الطريقة التي سرقت بها تلك الآثار ولا عن المسؤولين عن تلك السرقات وعندما نقول المسؤولين فلا نقصد طبعا وفقط أفراد عائلة المخلوع الذين ضبطت في بيوتهم وقصورهم قطع ثمينة فمن الغباء الاعتقاد أنهم حصلوا على تلك الدرر النفيسة دون مساعدة البعض من العارفين بشؤون المواقع والحفريات وأيضا بالشؤون المتحفية باعتبار أن بعض الآثار انتزعت من المتاحف وقد كانت احدى قنواتنا التلفزية عرضت بعد أيام من انهيار حكم بن علي ريبورتاجا من داخل متحف مكثر يبين مخلّفات عملية الاعتداء على بعض الآثار الموجودة داخل المتحف الذي من المفروض أن يكون خاضعا لحراسة مشدّدة شأنه شأن باقي المتاحف والمواقع الأثرية التي تحميها الاتفاقيات الدولية إذن فإن مسؤولية تلك التعدّيات لا يتحمّلها الذين اتخذوا من تاريخنا وكنوزنا اكسسوارات للديكور بل يقاسمهم المسؤولية فيها كل الذين سهلوا وصولها إليهم وهؤلاء لم نسمع عنهم بعد مع أنه من حق كل تونسي يدفع معلوما مقابل دخول متحف أن يتعرف على المتورّطين في لعبة إخراج الآثار من قلاعها المحصّنة التي تحجّر على مجرّد المتفرّج عليها اللمس والاقتراب منها. إن ما ننتظره من الحكومة المؤقتة ومن اللجان الموكل إليها مهمة ملاحقة الفساد والمفسدين ومن وزارة الثقافة الإسراع بفتح هذا الملف وبإعلام الرأي العام بجميع المتورطين في هذه الجريمة القذرة التي ارتكبت بحق حضارة تونس وتراثها الإنساني ومعاقبة جميع المشاركين فيها دون استثناء ودون رحمة أيضا .