أثارت تركيبة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، الكثير من الانتقادات في الأوساط السياسية والحزبية وصلب المجتمع المدني، باعتبار الطابع السري الذي ميّز عملية اختيار الشخصيات التي تتألف منها الهيئة. واعتبرت فعاليات سياسية ومكونات عديدة من المجتمع المدني، أن هذه الهيئة غير ممثلة للطيف السياسي والجمعياتي في البلاد، وهي تتميّز بالإقصاء وبتركيبة معينة ولم يقع اختيارها بشكل توافقي. وعلمت "الصباح" أن اتصالات حثيثة بين فعاليات سياسية ومستقلة وجمعياتية عديدة، عقدت في غضون اليومين الماضيين اجتماعات دامت نحو أربع ساعات، ناقشت خلالها تركيبة الهيئة وهوية بعض أفرادها، ودرجة تمثيليتها للجهات والشباب وللقوى السياسية الفاعلة في البلاد. وقال شكري بلعيد، الناطق الرسمي باسم "حزب الوطنيون الديمقراطيون" في تصريح ل "الصباح"، أن "تركيبة الهيئة لم يراع فيها التمثيل الجهوي أو الشبابي، كما أقصيت قوى سياسية واضحة، فيما تم إدراج أسماء مورطة مع الرئيس السابق، وأخرى كانت تنتمي أو تعمل تحت إمرة الحزب الحاكم المنحل، إلى جانب اقحام وجوه لا علاقة لها بالنضال الديمقراطي"، قبل أن يضيف بأن "الآلية التي تم بواسطتها اختيار أعضاء الهيئة، تنتمي إلى نفس أسلوب بن علي الذي رفضته الثورة .. ووصف بلعيد، القانون الانتخابي الذي أعدته الهيئة، والذي قدم أمس خلال اجتماعها، ب "القانون على القياس"، الذي لا يلبي مطالب الشعب التونسي، و"سيرهن تونس في وضع غير ديمقراطي خلال الخمسين سنة القادمة" على حدّ تعبيره. وأوضح بلعيد، أن حزبه وعديد الفعاليات السياسية، قاطعت اجتماع أمس، لأنها لا تريد أن تكون من بين "شهود الزور" على محاولة للالتفاف على الثورة من خلال مشروع قانون انتخابي تغلب عليه الحسابات، وليس وليد مشاورات جديدة مع كافة أطياف العمل السياسي في البلاد. وعلمت "الصباح" من مصادر من داخل الهيئة، أن بعض الأطراف طالبت بالتوجه نحو "صيغة توافقية جامعة". وقال مسؤول في حركة النهضة فضل عدم ذكر هويته في تصريح ل "الصباح" أمس، أن الهيئة بتركيبتها الحالية لا تعبر عن حقيقة الطيف السياسي والمجتمعي في تونس، معربا عن انشغال حركته من أسلوب عمل الهيئة وطبيعة مكوناتها. ويسود الاعتقاد في الأوساط الحقوقية وبين المتخصصين في القانون الدستوري، أن "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي"، وهي التسمية التي تثير الكثير من التساؤلات بين عديد النخب والفاعلين السياسيين، أن هذا الإطار لا يعكس حقيقة الأفكار والمقاربات التي ينبغي أن تتجه نحوها البلاد خلال المرحلة المقبلة، سيما وأنها تتضمن أطرافا معروفة بانتمائها للتيار الإستئصالي والإقصائي في البلاد، الذي مارس القمع على العديد من أطياف العمل السياسي والحقوقي وفي أوساط المجتمع المدني.